شَنّع نصر الله بأمريكا التي أساءت للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم من خلال الفلم القضية، واعتبر أنها تقصّدت هذه الإساءة، وأن الفلم المسيء أمر دُبر بليل (بمؤامرة) من أمريكا وإسرائيل.. ولأن ردة فعله جاءت متأخرة، فقد برر هذا التأخر بسبب (زيارة بابا الفاتيكان إلى لبنان)، فخشي أن يُعكر غضب (سماحتو) أجواء الزيارة فقرر إرجاءها؛ ثم طالب ألا يهدأ الغضب على هذا الفلم المسيء، الذي اعتبر أنه (أخطر) من إحراق الأقصى (كذا) كما يقول!! أن يستغل نصر الله حادثة الفلم المسيء للإسلام الذي أنتجه قبطي مصري، بهذه الطريقة الانتهازية وهذا التصعيد المتأخر، يُشير إلى الورطة التي يشعر بها ومعه حزبه بعد أن انحدرت شعبيتهم إلى حضيض الحضيض، فلم تعد تتعدى جزءاً من الطائفة الشيعية في بيروت، وأجزاء من جيوب العملاء الإيرانيين في العراق والخليج واليمن، وبالذات أولئك الذين يقبضون أجورهم الشهرية من إيران أو من الحزب. حسن نصر الله قبل الثورة على الأسد كانت شعبيته في قمتها، ليس في لبنان وسوريا ولدى الفلسطينيين فحسب، وإنما كانت تكتسح أغلب البلدان العربية، حتى عند بقايا القوميين العرب الذين يختلفون معه في الأيديولوجيا، فقد كانوا يرون فيه ذلك الفارس المغوار الذي انتظروه طويلاً ليحرر فلسطين فأتى على حصان أبيض، يلبس عمامة سوداء، وعباءة إيرانية مزركشة، ليشفي غيظهم ويطفئ شعورهم بالإحباط بخطب عصماء، يُبشرهم فيها بأن النصر آت لا ريب فيه، بعد أن قيّض الله لبني يعرب أحفاد كسرى أنو شروان ليقوموا بما عجزوا عنه، فنصّبوا سماحة السيد بعد أن أصبح (صفوياً) حتى النخاع قائداً للجيش الذي سيرد الحق السليب! ثورة شعب سوريا العظيم على ظلم الأسد فضحت وعرت كثيرين، وعلى رأس من (عرتهم) حسن نصر الله، الذي كان قد صرح على رؤوس الأشهاد أن تحرير القدس لا بد وأن يمر على جثث الثوار السوريين على نظام الممانعة والصمود في سوريا؛ ولأن الكذبة هذه المرّة لا يمكن أن تحتمل، ولا يمكن أن تقبل، وحمقاء ومُغرقة في القبح وتغفيل الآخرين، وجد نفسه نصر الله في وضع خسر فيه كل ما بناه، وبقي في سردابه في بيروت يتحيّن أية فرصة ليستغلها، ويعود إلى ما كان عليه، فما إن لاحت هذه الفرصة حتى استغلها ورهانه على أن هذه الشعوب العربية مثلها مثل الشعوب المكلومة والمهزومة تبحث حتى عن الأوهام لتتعلق بها وتجعل منها وسيلة للخلاص مما هي فيه. كان رهان حسن نصر الله، ومازال على قضية فلسطين، وأنه مازال (المحرر الأكبر) الذي سيلقن أمريكا الدرس تلو الدرس، وسيمرغ أنف إسرائيل في التراب، ويسترد الأقصى. غير أن شلالات الدماء الرهيبة التي فاضت بها الأرض السورية بسلاح كتائب الأسد، وشارك فيها حسن نصر الله بكل ما يملك من قوة ومن بلاغة أيضاً، جعلت هذه الكذبة وهذا التصعيد مكشوفاً؛ فليس الهدف مناصرة الرسول، وإنما الهدف أن يستعيد شعبيته، وأن يُحرك الغوغاء على أمريكا، لعل أنظارهم تتجه بعيداً عن مجازر الحليف في سوريا وتنشغل بالغضب على أمريكا والعدو الصهيوني والنصر المؤزر الذي سيأتي على يد صاحب العمامة السوداء، ريثما يسحق الحليف في سوريا ما تبقى من الثوار الأحرار. قد تكذب مرة ويصدقك الناس، ولكن لا يمكن أن تظل تكذب طوال الوقت ويظل الناس يصدقونك. حسن نصر الله بعد ثورة السوريين كان صرحاً من (أوهام) وهوى؛ ولن تصلح الخطب العصماء ما كشفه أبطال سوريا العظماء؛ كما لن يُغير الوضع سواء خرج الفارس المغوار من سردابه و(ترجل) على قدميه يقود مظاهرات الغضب على الأمريكيين والفلم القبيح، أم بقي يخاطب الناس من تحت السرداب كعادته؛ ففضيحة نصرالله أكبر وأشنع من أن ترقعها مظاهرات غاضبة ومفبركة. إلى اللقاء.