أثار إنتاج فيلم «براءة المسلمين» احتجاجات واسعة في العالم الإسلامي أدت إلى حرق القنصلية الأمريكية في بنغازي يوم الثلاثاء الماضي الموافق 11 من سبتمبر وقتل السفير الأمريكي في ليبيا كريس ستيفنز وثلاثة من موظفي السفارة الأمريكية، وعمت الاحتجاجات عواصم عديد من الدول العربية في القاهرة وصنعاء وبيروت وتونس والرباط وغيرها. ويتوقع أن تتصاعد الاحتجاجات وأن يتطور هذا الغضب الشعبي إلى أعمال عنفية أكثر إيلاما للجانب الأمريكي؛ ولهذا فقد أوعزت السفارة الأمريكية في القاهرة للرعايا الأمريكيين في مصر بضرورة مغادرة مصر فوراً؛ نظرا لتصاعد مشاعر النقمة على أمريكا، واستدعى الخوف على المصالح الأمريكية وسفاراتها تحرك قطع من الأسطول السادس إلى السواحل الليبية، واستدعاء قوات من المارينز المكلفة بمكافحة الإرهاب لحماية السفارات الأمريكية في العواصم الملتهبة في القاهرة واليمن وتونس، وغيرها. هذا الفيلم القميء المسمى «براءة المسلمين» أشرف على تمويله وإنتاجه مسيحي قبطي مصري محتقن مقيم في كالفورنيا ويحمل الجنسية الأمريكية اسمه «نقولا باسيل نقولا» ويشتغل بتجارة العقار، وقد حكم عليه بالسجن أحد عشر شهرا بتهمة التلاعب والتزوير، وقد انتحل اسم «سام باسيل» ليبعد عنه الشبهة وخوفا من أن يتعرض لمصير المخرج الهولندي ثيو فان غوغ الذي اغتيل عام 2004 بعد إخراجه فيلما أثار احتجاجات المسلمين، ونقولا هذا صرح لإحدى المحطات بكل بجاحة بعد انتحاله اسم «سام باسيل» غير المعروف بقوله «الاسلام سرطان» مضيفا أنه جمع 5 ملايين دولار من حوالى100 مانح يهودي واستعان بحوالي 60 ممثلا وطاقما من 45 شخصا لتصوير الفيلم الذي مدته ساعتان، واستمرالعمل طوال ثلاثة أشهرالعام الفائت في كاليفورنيا»! وقد ساعد على الدعاية له القبطي المولود في مصر المحتقن موريس صادق وحليفه القس تيري جونز في فلوريدا الذي ذاع صيته لإقدامه سابقا على إحراق نسخ من القرآن الكريم! وتولى الأقباط الدبلجة والترجمة إلى العربية، وعرض في إحدى المحطات العربية التبشيرية التابعة لهم، وهذه النسخة المدبلجة بالعربية هي التي أثارت الغضب الإسلامي؛ لأن النسخة الإنجليزية عرضت في صالات سينما ولكنها لم تلفت الانتباه، ويبدو أن بعض الممثلين قد خدعوا وأضيفت حوارات وسجلت بأصوات أخرى كما يتبين من حركة شفاه الممثلين. ويصورهذا الفيلم الرديء النبي محمد صلى الله عليه وسلم كزير نساء! و يصفه بالشذوذ الجنسي! وأن القرآن الكريم ما هو إلا خليط من آيات التوراة وضعها راهب مسيحي! هذه إلماحة يسيرة عن هذا الحدث المؤلم الذي هز مشاعر المسلمين، وأثار غضبهم، وأدى إلى ما أدى من أعمال حرق وقتل، ولا نعلم إلى أين يمكن أن تقود المشاعر الغاضبة الثائرة ملايين المسلمين المتوترين في الأصل بسبب السياسة الأمريكية الهمجية الحمقاء في العالم العربي والإسلامي؛ فكيف يمكن أن نهدئ هذا الفوران والهيجان الذي يغلي به الشارع العربي ونحن نرى في كل يوم انتهاكا لحقوق العرب والمسلمين في مواقع كثيرة من بلاد العرب وديار المسلمين؟! كيف لنا أن نطالب بالهدوء والتعايش ومحاربة الإرهاب والسياسة الأمريكية الحمقاء يتبول جنودها احتقارا على جثث الضحايا الأبرياء الأفغان؟ والمزارعون والبادية الذين لا يعلمون ما هو الإرهاب تدكهم الطائرات الأمريكية في جبال وأودية أفغانستان؟ والفلسطينيون يقتلون ضيما وتجويعا وحصارا في كل مدن فلسطين؟ والإهانات والإذلال والقتل للمسلمين وللعرب في سوريا وأراكان وبلغاريا والحبشة وجوانتانامو؟! إنها احتقانات تتزايد يوما بعد يوم، وتدفع المسلمين والعرب إلى الانتقام، وقد يكون الانتقام همجيا وغير مقبول؛ ولكننا قبل أن نسأل لم وقع قتل السفير الأمريكي مثلا وهو أمر مستهجن ولا يقره عاقل؛ نتساءل عن الدوافع التي حركت الشارع الغوغائي أو الجماعات المتطرفة التي لا تحتكم إلى العقل أو المنطق أو الأخلاقيات، وإنما تنساق خلف عواطفها الثائرة المتأججة؟ إن لكل فعل رد فعل، ولو توقفت الإهانات التي لا تنقطع في وسائل الإعلام الأمريكيةوالغربية عموما، وتوقف استهداف العرب والمسلمين في ديارهم لما تعرضت المصالح الغربية إلى الحرق، ولا الرعايا الغربيون إلى القتل، ولساد السلام والوئام والتعايش بين الحضارات والثقافات. إن من مبادئ الليبرالية وأخلاقياتها احترام عقائد وديانات الشعوب والأمم والإيمان بحق معتنقي أي دين في ممارسة شعائرهم وعدم التعرض لهم بالاستهجان أو الازدراء أو المضايقة؛ فما بال هذه الليبرالية الغربية العوجاء تنتهك أصولها المؤسسة وترمي بها عرض الحائط حين تتعامل مع العرب والمسلمين؟! إن محاسبة العصابة اليهودية القبطية في أمريكا تطبيق للعدالة التي يتطلع لها المسلمون؛ لأن هذه العصابة تهدد مصالح الشعب الأمريكي بانتهاكها قانون احترام الديانات التي تدعيها السياسة الأمريكية الليبرالية العرجاء. [email protected] mALowein@