في أجواء سياسية واقتصادية، متقلبة وبالغة الخطورة والتعقيد، تحل الذكرى التاسعة عشرة لتوقيع اتفاق أوسلو في واشنطن في الثالث عشر من سبتمبر لعام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين، بين منظمة التحرير الفلسطينية، وكيان الاحتلال الإسرائيلي وبالرعاية المباشرة من الولاياتالمتحدةالأمريكية ممثلة برئيسها كراعية أولى لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية والذي بموجبه تم تنظيم الاتفاق الانتقالي لسلطة الحكم الذاتي المحدود جغرافياً بالمناطق التي ينسحب منها الاحتلال والمحدود الصلاحيات بما تتنازل عنه سلطة الاحتلال من سلطات في مجالات محددة، والمحدود زمنياً أيضاً بمدة خمس سنوات، والتي نظرنا إليها في حينه أنها مدة طويلة، ولكن كان عزاؤنا حينها هو النص على أن تبدأ فعلياً مفاوضات الوضع النهائي في بدء السنة الثانية من تطبيق اتفاق الحكم الذاتي، والذي بدأ تطبيقه في صيف 1994م، ما يعني أن تنطلق مفاوضات الوضع النهائي في صيف عام 1995م لتنتهي في صيف عام 1999م بتوقيع اتفاق سلام نهائي يؤدي إلى انتهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينيةالمحتلة في عام 1967م ويتمكن الشعب الفلسطيني على أثره من ممارسة حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على جميع الأراضي المحتلة بما فيها القدسالشرقية. لكن الرياح السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية لم تأت بما تشتهي السفن، فلا زال الوضع الفلسطيني يراوح مكانه، سلطة الحكم الذاتي مرّ على إنشائها ثمانية عشر عاماً محدودة جغرافياً، وصلاحيات، ولكنها لم تعد محدودة زمنياً بالسنوات الخمس التي نص عليها الاتفاق وإنما باتت مفتوحة على الزمن وعلى المستقبل وعلى كل الاحتمالات؟! ليزداد عمرها لغاية الآن ثلاث عشرة سنة إضافية على ما حدده الاتفاق! والحبل جرار. لقد نكثت دولة الاحتلال بجميع الالتزامات التي رتبتها الاتفاقات الموقعة بين الطرفين في المجالات المختلفة، لا لشيء سوى اعتمادها على ميزان القوى المختل لصالحها، وانحياز الراعي الأمريكي لمنطق القوة الإسرائيلي، ومفاهيمه العدوانية القائمة على التوسع الاستيطاني، والسعي الدؤوب لتطوير منظومته الأمنية والعسكرية، ما يزيد من غلوه وصلفه، الشيء الذي يضع فرص السلام وإنهاء الاحتلال، واسترداد الحقوق المشروعة، حلماً بعيد المنال، وأمراً مستحيلاً في ظل مثل هذه السياسات القائمة على منطق القوة، لا على منطق الحق والشرعية، وما يخدم السلم والأمن الدوليين على مستوى المنطقة خاصة والعالم عامة، رغم ما بذل من جهود دبلوماسية من قبل بعض الأطراف العربية والدولية للدفع باتجاه الالتزام بأسس عملية السلام للتواصل إلى اتفاق سلام نهائي في موعده المضروب، إلا أن كل هذه الجهود فشلت وتحطمت على عتبة التصلب والإنكار الإسرائيلي للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ووصلت العلاقة التفاوضية الفلسطينية الإسرائيلية إلى طريق مسدود لا يمكن لها النفاذ منها إلى التسوية والسلام المنشودين. هذا ما يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن إستراتيجية إسرائيل لا تسعى إلى تحقيق السلام والتسوية العادلة على الإطلاق، وإنما تسعى إلى تبريد الصراع إلى أدنى درجة ممكنة تمكنها من كسب الوقت واستغلال الزمن المتاح لخلق مزيد من الوقائع على الأرض تحول دون إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتستمر في عملية التهويد والتزوير الجارية على قدم وساق لمدينة القدس العربية وعموم الأراضي الفلسطينية، ما يؤدي إلى طمس الهوية العربية لكل فلسطين. فمن يتحمل مسؤولية إدامة هذا الوضع الشاذ للشعب الفلسطيني سياسياً وأمنياً وعسكرياً وأخيراً اقتصادياً، لا شك أن هناك جملة من العوامل الداخلية والخارجية فلسطينياً وعربياً ودولياً، وأخيراً إسرائيلياً وهي الأساس في بقاء واستمرار هذا الوضع المشين والمعيب في حق الشعب الفلسطيني أولاً والأمة العربية والمجتمع الدولي برمته. لا بد من وضع نهاية لهذا الوضع الشاذ تنهي هذا الاحتلال البغيض للأراضي الفلسطينية وتمكن الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكفل له الحياة الشريفة والحرة والكريمة في وطنه فلسطين ولا بد أن تكون البداية فلسطينية عربية، بحتة تتمثل في التغلب على كافة الثغرات القائمة في الوضع الفلسطيني من انقسام وشرذمة تتوافق ورغبة المحتل وسياسته، حيث لا يفهم من ديمومة الوضع الشاذ سوى إتاحة مزيد من الوقت أمام العدو، ليكمل مخططاته التصفوية للقضية الفلسطينية، ومهما كانت الذرائع التي تتستر بها قوى الانقسام فهي ذرائع واهية لا تصمد أمام الحقائق الواضحة وضوح الشمس. عربياً رغم الانشغال العربي بأحداث ربيعه الدامية لا يجوز أن تغيب القضية الفلسطينية أو أن يجري تهميشها، حتى يتم تشيعها في موكب جنائزي غير مهيب، وكأن فلسطين والفلسطينيين لم يعدوا جزءاً من الأمة العربية، وأن القدس ليست القبلة الأولى للمسلمين ومسجدها الأقصى ليس بثالث المسجدين!، لن تغفر لنا الأجيال اللاحقة ما نحن عليه من هوان نبتلى في سلطاننا الوطني والقومي والديني، دون أن يحدث فينا، ما يتوجب أن يحدث، من صحوة حقيقية، بل نرتد إلى الوراء في محاولة جديدة لتغييب الوعي والعقل العربي إلى الوراء! دولياً لا زال موقف المجتمع الدولي رهينة للسياسات الإسرائيلية المحمية أمريكيا، ويقف عاجزاً عن حماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعن حماية شرعيته المنتهكة جهاراً نهاراً في فلسطين، على يد الاحتلال وإجراءاته الفاشية والعنصرية، ولا يجد من العرب ما يفرض عليه ضرورة تغيير هذه السياسات، المهددة للأمن والسلم الدوليين في فلسطين والمنطقة العربية. إن الربيع العربي الموجه ضد نظم الاستبداد والديكتاتورية لن تكتمل مصداقيته وثماره، إذا لم يتوجه أيضاً إلى إنهاء الاحتلال والصلف والعربدة الإسرائيلية في المنطقة وفي الأراضي الفلسطينية، وإذا لم يتطور أيضاً الموقف الأمريكي الغربي الذي يدعي دعم ومناصرة ثورات الربيع العربي، من الصراع العربي الإسرائيلي، ومن استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بكل صوره وإفرازاته، وإخضاع الكيان الإسرائيلي للشرعية الدولية، وإلا إن الدعم الأمريكي الغربي للربيع العربي ما هو إلا حلقة جديدة من حلقات تنفيذ إستراتيجيات وسياسات النفاق السياسي الذي يطبع سياسات الغرب إزاء القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين. على ضوء ما سلف يصبح السؤال مشروعاً إلى متى، وإلى أين تتجه السفينة الفلسطينية، نحو الغرق، أم نحو شاطئ السلامة والأمان؟! وهل كان اتفاق أوسلو بداية أم نهاية؟! إن تحديات المرحلة كبيرة وخطيرة، تستوجب المراجعة الشاملة للسياسات والأدوات والأساليب، قبل أن يفقد الجميع زمام المبادرة، وتصبح إسرائيل اللاعب رقم واحد في نظام الشرق الأوسط الجديد الذي يجري ترتيبه على قدم وساق، وعندها تضيع الحقوق العربية والمستقبل العربي، وفي مقدمة ذلك الحقوق الوطنية والقومية المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين، ويكون اتفاق أوسلو قد مثل بداية نهاية القضية الفلسطينية لا بداية لاسترجاع الحقوق المغتصبة ونبقى بعد ذلك غرقى في دائرة التلاوم دون أمل في النجاة. E-mail:[email protected] عضو المجلس الوطني الفلسطيني - الرياض