تاريخياً، وعلى مدى عقود، تكوّن لدينا كمجتمع، وحكومة، إعجاب، تحوّل إلى حالة هوس، بكل من يحمل شهادة دكتوراة. ولذلك عندما بدأت الطفرة البترولية الأولى، وبدأ تكوّن الفوائض المالية الكبيرة، كانت السمة السائدة هي تعيين عدد كبير ممن يحملون شهادة الدكتوراة، في مختلف المناصب الحكومية، وكان النظام الإداري الحكومي مبني على أساس أن شهادة البكالوريوس تستحق درجة ما، وأعلى منها الماجستير، وأعلى منها الدكتوراة، وقد أدى ذلك إلى حدوث سباق محموم للحصول على شهادة الدكتوراة، وساعد في ذلك أن النظام الحكومي لم يفرق كثيرا بين دكتور في علم نظري، أو دكتور في علم الكيمياء، مثلا!! وبالنسبة للمجتمع، أصبح ينظر إلى كل من يحمل الدكتوراة، على أنه قادر على معالجة أي قضية، ومشكلة. النتيجة هي أننا رأينا العجب العجاب من فترة إدارة أولئك الدكاترة، وكثير منهم نظريّون، وليست لديهم خبرة إدارية، ولم ينقذ الوطن إلا أن المال كان وفيراً، ولكن عندما بدأت الحكومة بمواجهة مصاعب مالية، وكانت بداية مرحلة الاقتراض المؤلمة، لم يكن لدى أولئك الدكاترة حلول، أو حتى فهم لمعالجة القضايا الملحّة، لأنهم اكتسبوا وظائفهم بسبب شهاداتهم، وليس بسبب كفاءتهم، أو خبرتهم الإدارية. اليوم أستطيع أن أجزم أن حقبة الاعتماد على حاملي الدكتوراة لمجرد الدرجة، وبغض النظر عن التخصص، قد أثبتت في كثير من الحالات فشلها، ولذلك لا نجد اليوم القطاع الخاص يحرص على توظيف حملة الدكتوراة. بعد تلك المرحلة عدنا في مرحلة انتقالية إلى الموظفين التقليديين، الذين لا يقومون بأكثر من أن يقدموا مذكرات، ويختموها بجملة «آمل الاطلاع والتوجيه، والرأي الأتم ما يراه معاليكم»!! أي تعطيل فكرهم، وتمرير التوصية، والقرار، إلى صاحب القرار الأول!! مؤخراً تكوّن إعجاب من نوع جديد، وهو أنه طالما أن مختلف الطرق الإدارية الأخرى قد فشلت، وحادث غرق جدة مرتين أكّد ذلك، فكان اللجوء إلى شركة أرامكو، أولاً لبناء جامعة «كاوست»، ثم المدينة الرياضية في جدة، ولاحقاً تعيين عدد من مسؤولي شركة أرامكو الحاليين، أو المتقاعدين، لإدارة مرافق حكومية. شخصياً أنا أتعامل مع شركة أرامكو منذ سنوات طويلة، ولو طلب رأيي حول الموضوع لقلت: إن أرامكو منظومة متكاملة، تعتمد إداراتها، وأجهزتها، كل منها على الآخر، ومن ثم لا يوجد شخص واحد يستطيع أن ينجح بدون دعم الإدارات الأخرى، ولذلك عندما تأخذ مسؤولا من أرامكو، وتضعه في بيئة حكومية، تعتمد على الفرد، ولا يوجد لديه دعم، مثلما هو الحال في شركة أرامكو، فإنك تحضّره للفشل، خصوصاً في ظل شح الموارد المالية المخصصة له، مقارنة بما هو متوفر لديه في أرامكو، وعدم مرونة النظام المالي، والإداري. نحن مع الأسف ننبهر بسهولة، ونحاول معالجة قضايانا بإسلوب مبسّط، إما بإيكال المهام إلى دكاترة، حتى ولو كان تخصصهم بعيداً عن طبيعة المشكلة، أو مؤخراً باعتقادنا الخاطئ، أن أرامكو هي الحل. وهي أبعد ما تكون عن الأعمال التي أوكلت لها، أو لمسؤوليها. وبذلك نكرر الخطأ مرة أخرى. [email protected]