تأتي الذكرى الثالثة والأربعون لجريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك وما زال المسجد أسيراً والجرح نازفاً، وفي ظل ممارسات واستفزازات وتهديدات إسرائيلية يومية تستهدف طمس هوية المدينة المقدسة والتضييق على سكانها. وفي هذه الذكرى المؤلمة تحدث رئيس مجلس الأوقاف في مدينة القدس الشيخ عبد العظيم سلهب ل»الجزيرة» عن تلك الجريمة النكراء بحق البشرية والتاريخ والحضارة قائلا: أتت النيران على كنوز لا يمكن تعويضها، وأهمها منبر صلاح الدين الأيوبي الشهيد المسلم البطل الرمز الخالد في التاريخ الإسلامي الذي حرر بيت المقدس. واضاف أن المقدسيين المرابطين والمدافعين عن المسجد الأقصى والمدينة المقدسة يمرون في ظروف تزداد صعوبة يوما بعد يوم جراء الاستفزازات والتهديدات اليومية التي يتعرضون لها من قبل متطرفين يهود مدعومين من الشرطة الإسرائيلية ومن حكومة يمينية متطرفة. وأوضح سلهب: جميع بيوت الله سبحانه وتعالى شريفة ومباركة إلا أن للأقصى مكانة غالية في الرفعة في قلوب المسلمين جميعا فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومنه عرج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء العلا حيث فرضت علينا الصلوات الخمس وبهذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يبقى المسلمون جميعا على علاقة دائمة بهذا المسجد المبارك وبهذه الأرض المباركة. من جهته, تحدث الأمين العام للجنة الملكية لشؤون القدس عبد الله كنعان في هذه الذكرى الأليمة قائلا: إن ذكرى حريق الأقصى يدعونا لنؤكد بأن الخطر الصهيوني لم يعد يستهدف القدسوفلسطين فحسب، فمن يطلع على أهداف الحركة الصهيونية يلمس دون أدنى شك أن أطماع الحركة الصهيونية ومخططاتها وعيونها تتجه للسيطرة على الثروات العربية جميعها. وأضاف ولأن الأردن يشكل خط الدفاع الأول ولكي يبقى قوياً منيعاً في وجه الأطماع الصهيونية فإنه بحاجة إلى الدعم لتعزيز دوره تجاه القدسوفلسطين ومواجهة الأطماع الصهيونية، ودعم صمود الأهالي هناك للوقوف في وجه المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تفريغ القدسوفلسطين من سكانها العرب والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية على الإطلاق بينما تعمل جادة على إقامة دولة إسرائيل الكبرى على كامل التراب الفلسطيني. وقال كنعان «علينا جميعا وعلى المجتمع الدولي أن يدفع وبقوة باتجاه إجبار إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، على الامتثال لإرادة المجتمع الدولي ولقرارات الأممالمتحدة التي تطلب من إسرائيل الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة وعدم الإتيان بأي عمل من شأنه أن يغير في الطبيعة الديموغرافية والحضارية والدينية والثقافية للأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس، واعتبار جميع إجراءاتها التهويدية التشريعية منها والتطبيقية لاغية وبخاصة فيما يتعلق بما تسميه إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، ب: قانون أساسي القدس الذي اعتبرت القدس بموجبه عاصمتها الموحدة والأبدية». وأضاف كنعان أن سياسة إدارة الظهر الإسرائيلية لقرارات الأممالمتحدة وعدم المبالاة تجاه إرادة المجتمع الدولي يعود بالأساس إلى أن أصحاب الحق وهم الفلسطينيون والعرب والمسلمون لم يعملوا على توظيف إمكاناتهم وقدراتهم المادية والعسكرية والجيوستراتيجية بما يمكنهم من التسلح في صراعهم السياسي مع إسرائيل بقرارات الأممالمتحدة وبخاصة المفصلية منها. وتابع أن الحكومة الإسرائيلية ومسؤوليها يرتكبون خطأ فادحا إن ظنوا أو توهموا بأن الوضع الحالي القائم في المنطقة العربية يتيح لهم فرصة تاريخية لاستكمال مخططاتهم الاستيطانية الاستعمارية الإحلالية بما يضع العرب والمسلمين والعالم أجمع أمام معطيات يتوهمون بأنها غير قابلة للتجاوز وتفرض على الشعب العربي الفلسطيني ومعه العرب والمسلمين والعالم رؤيا إسرائيل للسلام والأمن الإقليميين. وأكد كنعان أنه على حكومة نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين، عسكريين كانوا أم سياسيين أن يعوا بأن الشعب العربي على امتداد الأقطار العربية ومعه الشعوب الإسلامية لم يعد ذلك الشعب الذي يترك مصيره ومصير أوطانه إلى قرارات تفرض عليه من الخارج، فالمسؤولون العرب باتوا اليوم يدركون أن القضية الفلسطينية تحتل رأس قائمة أولوياتهم السياسية. وقال: لا يجوز لإسرائيل أن تركن إلى سياسة العجز العربي التي ألفتها من قبل ولتنظر إلى ما حولها من متغيرات جوهرية في العديد من الأقطار العربية وبخاصة في المفصلية منها قبل أن تصر على ركوب رأسها وتتمسك بالمضي قدماً في سياستها العدوانية التوسعية والاستيطانية الاستعمارية الاحلالية. بدوره, قال المختص بالشؤون الاسرائيلية غازي السعدي: يزعم اليهود بأن فلسطين ملك لليهود وعلى هذا الأساس يخططون ليس فقط لتهويد القدس بل للسيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية. وأضاف لذلك فإنهم يطلقون على المسجد الأقصى اسم جبل الهيكل وأنه بني على أنقاض الهيكل الثاني، وعلى الرغم من أن علماءهم الأثريين يقرّون أنه لا وجود أصلا للهيكل تحت المسجد الأقصى إلا أنهم يصرون على هذه المزاعم ويحاولون السيطرة على المسجد الأقصى تدريجيا، وتقسيم الصلوات في المسجد أوقاتا للمسلمين وأوقاتا لليهود على نفس نمط ما نجحوا به في المسجد الإبراهيمي في الخليل. وأوضح السعدي «هناك تحذيرات من الفلسطينيين بأن تطبيق هذا المخطط على الأقصى سيؤدي إلى انتفاضة فلسطينية كبيرة أقوى من انتفاضة الأقصى عام 2000، وبذلك فإن الأمن والفوضى سيشكلان الوضع القادم». وتابع: يوجد في البرنامج السياسي لحزب الليكود بندا يتحدث عن أرض إسرائيل الكاملة بأنها ملك بلا منازع للشعب اليهودي وحكومة نتنياهو الليكودية تحاول تطبيق هذه المزاعم ليس في القدس فقط بل في المستوطنات حتى لا يبقى ما يمكن إقامة دولة فلسطينية عليه في الأراضي المحتلة. وفي ذكرى هذا الحريق المشؤوم أصدرت الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس بيانا عنونته ب(الأقصى المبارك مستهدف والحرائق متلاحقة). وجاء في البيان: لا زال المسلمون في العالم كله يتذكرون حريق الأقصى الذي وقع بتاريخ 1969/8/21 ، تلك الذكرى الحاقدة المشؤومة ولا تزال الحرائق متلاحقة بهذا الأقصى المبارك وبصور متعددة: من اقتحامات عنصرية غوغائية من الجماعات والأحزاب اليهودية المتطرفة، ومن الجيش الإسرائيلي بملابسه العسكرية، ومن الحفريات التي تهدد أساسات المسجد القبلي الأمامي من الأقصى المبارك، بالإضافة إلى التصريحات المحمومة في هذه الأيام من مسؤولين إسرائيليين في الحكومة اليمينية المتطرفة ومن أعضاء الكنيست المتهورين، تلك التصريحات التي تمس حرمة الأقصى المبارك والتي تكشف عن أطماع اليهود بالأقصى. وجاء في البيان إزاء ذلك فإن الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف والمقدسات الإسلامية بالقدس توضح موقفها الإيماني المبدئي بما يلي: أن مساحة المسجد الأقصى المبارك كما هو معلوم مئة وأربعة وأربعون دونما وتشمل المسجد القبلي الأمامي ومسجد قبة الصخرة المشرفة والمساطب واللواوين والأورقة والممرات والآبار والبوابات الخارجية وكل ما يحيط بالأقصى من الأسوار والجدران الخارجية بما في ذلك حائط البراق. وجاء أيضا: أن هذا المسجد المبارك هو للمسلمين وحدهم بقرار إلهي من الله عز وجل وهو يمثل جزءا من إيمان مليار ونصف المليار من المسلمين في العالم لا علاقة لغير المسلمين بهذا المسجد لا سابقا ولا لاحقا كما لا نقر ولا نعترف بأي حق لليهود فيه نستنكر ونرفض الاعتداءات التي يقوم بها اليهود من اقتحامات متوالية لساحات الأقصى التي هي جزء من الأقصى وأن هذه الاقتحامات لن تعطيهم أي حق فيه. ودعا البيان منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لأن تقوم بدورها في وقف الحفريات التي تدمر التراث الإسلامي والإنساني في مدينة القدس، وتهدد المسجد الأقصى المبارك وأن تتخلى عن دورها الخجل، فمدينة القدس موضوعة على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر في ظل الاحتلال منذ عام 1981 بطلب من الأردن. وأكد البيان أن صوت الأذان سيبقى مرفوعا فوق مآذن الأقصى والمساجد الأخرى هذا الأذان الذي أول من رفعه في جنبات الأقصى الصحابي الجليل بلال بن رباح- رضي الله عنه – مؤذن الرسول –صلى الله عليه وسلم وأن الأقصى أسمى من أن يخضع لقرارات المحاكم وهو غير قابل للتفاوض ولا المقايضة ولا التنازلات.