لا أعتقد أن فضيحة ميشيل سماحة ستنتهي بتجريمه فحسب، وإنما سيسقط كثير من الشخصيات وربما الأحزاب اللبنانية أيضا نتيجة لتداعيات هذه القضية. ففي محطة (الميادين) الفضائية الممولة من حزب الله وإيران كان جميل السيد -مثلاً- يكاد أن يخرج من الشاشة غاضباً ومنفعلاً من (هتك) أجهزة الأمن اللبنانية لأنظمة الضبط القضائي عندما اعتقلت سماحة (كذا)، وردد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته؛ فلماذا يجري التسريب للصحافة ووسائل الإعلام قبل أن تثبت التهمة؟.. كان من الواضح أن جميل السيد يبذل كل ما في وسعه لخلط الأوراق وتلمس الحجج حتى وإن كانت واهية للذب عن سماحة وتخطئة معتقليه، وكعادة المفلسين السياسيين اللبنانيين، أو قل بعد الآن: المجرمين الإرهابيين، كانت الذريعة جاهزة، فالاعتقال والتشهير - كما كان يقول السيد - يتماهى مع المؤامرة التي يحيكها الغرب وأمريكا لمحاصرة تيار الممانعة والمقاومة؛ بهدف التفريط بالقضية الفلسطينية. كان جميل السيد في ذلك اللقاء يكاد أن يقول (اعتقلوني) فالعصا أخت العصية، ويبدو أن هذا الضابط الذي سبق وأن اعتقل وسجن في قضية اغتيال الرئيس الحريري والذي يقال أن الرئيس اللبناني الأسبق الياس الهراوي عقد ثلاث قمم مع الرئيس حافظ الأسد لخلعه عندما كان مديراً للأمن العام اللبناني ولم يستطع، قد شعر أن الحبل على الجرار، وأن الأمر لن يتوقف عند سماحة، وأن حُماته في دمشق الذين رتبوا عملية تبرئته لن يستطيعوا أن يُبرؤوه إن اتضح أن لقضية اغتيال الحريري أو غيره ذيولاً أخرى، فأحس أن السجن الذي خرج منه بأعجوبة وبصفقات أدراها بشار الأسد، لن ينجو منه هذه المرة. سماحة اعترف، وكانت الأدلة دامغة ومحكمة بحيث لم يكن بإمكانه أن ينكرها، فقد كانت بالصوت والصورة، فالعبوات الناسفة استلمها من أحد أركان النظام الأسدي في دمشق اللواء علي مملوك، وجلبها إلى بيروت بسيارته، وحدد من سيغتالهم، وسلم من كان سيقوم بعمليات تفجير العبوات الناسفة فعلاً؛ وكل تفاصيل هذا المشهد كانت أجهزة الرصد والتحري الأمنية اللبنانية تتابعه وتسجله بالصوت والصورة، ويتم توثيقه، بدقة ومهنية تدعو إلى الإعجاب، ما جعل التهمة قطعية؛ وكان الهدف أن يتم اغتيال رموز مسيحية ومن طوائف أخرى، ويتم إلصاق التهمة بالمسلمين السنّة، أو كما يسميهم بشار وزبانيته في خطابهم الإعلامي التبريري (الإرهابيين الوهابيين)، ليتم إلحاق لبنان إلى سوريا في الحرب الأهلية الطائفية؛ وعندما سأل المحقق - كما تتحدث بعض التقارير الصحفية - ميشيل سماحة عن الدافع من هذه التفجيرات اكتفى بالقول (هيك بدو بشار)! أن تتجرأ السلطات الأمنية على اعتقال هذا العميل السوري من الوزن الثقيل، وتدبر له هذه الكمين المحكم، ثم توقع به، يعني أن لبنان تحرر من الوصاية السورية إلى الأبد، وأن أزلام النظام السوري لم يعد بإمكانهم اللعب بالورقة السورية؛ فكل أقطاب فريق الثامن من آذار التزموا الصمت، اللهم إلا أحد قيادات حزب الله محمد رعد رئيس كتلة (الوفاء للمقاومة) في البرلمان اللبناني، فقد وصف الاتهامات الموجهة إلى سماحه ب(الفبركات الأمنية)؛ فأسرعت قيادات الحزب وأكدوا بصفة رسمية أن ما صرح به رعد كان رأياً يخصه شخصياً ولا يُمثل الحزب محاولين أن ينأوا بحزبهم عن تبعات هذه القضية الخطيرة. ليس لدي أدنى شك أن سماحة لن يكون الأخير، فالحبل على الجرار؛ كما أن خريطة القوى السياسية الفاعلة في الساحة اللبنانية بدأت من الآن تتماهى مع تضعضع أوضاع نظام الأسد في دمشق، ولم تنتظر إلى حين سقوطه الوشيك؛ فلم يكن أحد من اللبنانيين يحلم أن تصدر في يوم ما مذكرة جلب من السلطات القضائية اللبنانية موجهة إلى أحد أعمدة النظام السوري (اللواء علي مملوك) تطالبه بالمثول لديها ومحاكمته على التهم الموجهة إليه، وهو الذي كان يتحكم في كل مفاصل الحياة السياسية اللبنانية من رأس الهرم وحتى مديري الأقسام؛ ويبدو أن لبنان الآن يولد من جديد فعلاً. إلى اللقاء.