ادعى القضاء اللبناني رسمياً على الوزير والنائب السابق، ميشال سماحة، أحد أبرز حلفاء دمشق على الساحة اللبنانية، بتهم جنائية عديدة، غير أن المفاجأة تمثلت في الإدعاء أيضاً على ضابطين سوريين، أبرزهما اللواء علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي بسوريا، في تطور سيكون له ارتداداته على البلدين. ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية، القاضي سامي صادر، ادعى على سماحة ومملوك وعلى عقيد في الجيش السوري عُرف عنه باسم "عدنان"، لإقدامهم على "تأليف عصابة مسلحة بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها والتعرض لمؤسساتها المدنية والعسكرية." وبحسب تقرير صادر، فإن المتهمين أقدموا على هذه الجرائم "توصلا إلى إثارة الاقتتال الطائفي عبر التحضير لتنفيذ أعمال إرهابية بواسطة عبوات ناسفة وتحسينها بعد أن جهزت من قبل مملوك وعدنان، وإقدامهم أيضا على التخطيط لقتل شخصيات دينية وسياسية ودس الدسائس لدى مخابرات دولة أجنبية لمباشرة العدوان على لبنان، وحيازة أسلحة حربية غير مرخصة، سندا إلى مواد تنص عقوبتها القصوى على المؤبد والإعدام." وأحال صادر الإدعاء إلى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا الذي احضر سماحة إلى مكتبه واستمهل لتوكيل محام، وأصدر أبو غيدا مذكرة وجاهية بتوقيفه، على أن يتابع استجوابه الاثنين المقبل. ويأتي الإدعاء منسجماً مع التقارير الإعلامية المسربة حول التحقيقات مع سماحة، الذي كان يعمل مستشاراً لدى الرئيس السوري، بشار الأسد، والتي أشارت إلى أنه قدّم متفجرات لموالين له من أجل تفجيرها في مناطق شمالي لبنان والتسبب بصراع ديني بين السنّة والمسيحيين في تلك المنطقة المتاخمة للحدود السورية. وبالتزامن مع الإدعاء القضائي، نقلت الوكالة اللبنانية مجموعة مواقف حول القضية، إذ نوّه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، بشعبة المعلومات، الجهاز الذي تولى كشف مخطط سماحة واعتقاله. وقال ريفي إن شعبة المعلومات "بذلت جهوداً مميزة أدت إلى كشف مخطط خطير كان يرمي غلى تنفيذ أعمال إرهابية عبر زرع متفجرات وتنفيذ اغتيالات في منطقة الشمال، وتمكنت خلال فترة زمنية وجيزة من كشف هوية الرأس المدبر وإقامة الدليل على تورطه وتوقيفه وإحالته أمام القضاء، وضبط كمية كبيرة من المتفجرات والعبوات الناسفة ومبلغ مالي كبير كان مخصصاً لمصاريف تنفيذ الأعمال الإرهابية." وأدلى الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، بموقف لافت حول الاعتقال، وذلك خلال استقباله لريفي ورئيس شعبة المعلومات، العميد وسام الحسن، إذ قال إن ما حصل في اليومين الأخيرين "مرعب ومخيف بمجرد التفكير أن هناك تحضيرات لتفجير الوضع وإحداث فتنة وجعل اللبنانيين يدفعون مرة أخرى الثمن من أرواحهم ودمائهم وأرزاقهم." غير أن المواقف المنتقدة لاعتقال سماحة استمرت، وخاصة من الشخصيات المؤيدة للنظام السوري، أو المرتبطة بأحزاب متحالفة معه، وفي هذا السياق انتقد الاعتقال رجل الدين الشيعي علي ياسين، الذي يحتل منصب "رئيس علماء صور" بجنوبي لبنان. وطالب ياسين الحكومة اللبنانية بأن ""أن تحزم أمرها ولا تسمح للأجهزة التي سارت مع مشروع شرق أوسط جديد ان تنفذ مؤامرات تنال من رموز وطنية وقفت مع خيار المقاومة والجيش والشعب وفضحت كثيرا ممن تآمروا ضد الوطن من خلال تآمرهم على هذا الثالوث المقدس" على حد تعبيره. يشار إلى أن الحكومة اللبنانية تخضع لسيطرة قوى مؤيدة بمعظمها للنظام السوري، على رأسها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وقد انفرد لبنان بين الدول العربية باعتماد موقف "النأي بالنفس" في المحافل الدولية حيال الوضع بسوريا، وإن كانت المعارضة اللبنانية تتهم الحكومة فعلياً بموالاة الأسد والخروج عن الإجماع العربي. وتكمن المفارقة في اعتقال سماحة، وفق ما يرى خصومه، أنه كان أبرز المروجين لموقف النظام السوري حيال الأحداث في سوريا واتهام متشددين وسلفيين سنة بالوقوف خلفها، وقد حذر من هجمات لمتشددين على أهداف مسيحية لإثارة الفتنة، قبل أن يصار إلى توقيفه هو شخصياً بتهمة إثارة النعرات الطائفية.