الأسبوع الماضي مرت الذكرى الستون للانقلاب الذي نفذته مجموعة من الضباط المصريين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم «الضباط الأحرار». بدأ حكم الجنرالات في مصر في 23 يوليو 1952 بقيادة الضابط جمال عبد الناصر الذي حكم رسميا خلال الفترة من 1954 إلى 1970. وخلفه في الحكم الضابط أنور السادات في الفترة من 1971 إلى 1981 ثم جاء الرئيس العسكري الثالث والأطول حكما وهو حسني مبارك الذي حكم خلال الفترة من 1981 إلى 2011. كان عبد الناصر هو الأسوأ بين الرؤساء الثلاثة حيث شهدت سنوات حكمه مصادرة الممتلكات الخاصة والدخول في مغامرات عسكرية خارجية في اليمن وضد إسرائيل مما كلف بلاده ثمنا باهظا. وامتدت سيطرة النظام الحاكم في عهد عبد الناصر إلى كل الاقتصاد والأمن والسلطة التشريعية والقضائية. و جاءت الوحدة المصرية - السورية في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي لكي تغطي على مشاعر العداء المريرة في العالم العربي. خلال سنوات الحكم العسكري الذي استمر في مصر ستة عقود تراجع تصنيف مصر وفقا لكل المؤشرات ذات القيمة، من مؤشر مستوى المعيشة إلى مؤشر القوة الدبلوماسية في الوقت الذي تضاعف فيه عدد السكان أربع مرات من 20 إلى 83 مليون نسمة. ويشير المؤرخ طارق عثمان إلى أن أوضاع مصر وكوريا الجنوبية عام 1952 كانت متماثلة والآن تخلفت مصر بشدة مقارنة بكوريا الجنوبية. ويقول إن أكبر خسارة تعرضت لها مصر منذ 1952 التي لا يمكن تعويضها هي الشعور ب «الهزيمة الوطنية». هذا الشعور بالانهزامية سيطر على المصريين في كل شيء من كرة القدم إلى الشعر. ومع وصوله إلى العام الثلاثين له في السلطة قرر الفرعون مبارك (كما كان يطلق عليه البعض) بمنتهى الغطرسة، تهميش رفاقه من ضباط الجيش. كما سعى إلى سرقة المزيد من الأموال حتى لو كان ذلك على حساب مخصصات المؤسسة العسكرية وحرمانها من نصيبها من أموال البلاد. أيضاً فقد سعى، بضغوط من زوجته، لقطع الطريق على وصول عسكري آخر إلى السلطة خلفا له لكي يفتح الطريق أمام ابنه المصرفي جمال مبارك لتولي الرئاسة بعده. وقرر الضباط الغاضبون الانتظار وعدم التحرك ضد مبارك. وفي أوائل 2011 عندما قررت مجموعة من الشباب الشجعان العصريين المدنيين المصريين النزول إلى ميدان التحرير وإعلان نفاد صبرهم من طغيان مبارك انتهزت المؤسسة العسكرية الفرصة لإسقاط مبارك. وقد تصور الشباب الليبراليون في مصر أن ثورتهم نجحت بإسقاط مبارك ولكن الحقيقة هي أنهم كانوا مجرد وسيلة لكي يتخلص العسكريون من الرئيس المستبد. وبعد أن أدى الليبراليون الغرض منهم تم تهميشهم لصالح العسكريين والإخوان الذين تنافسوا من أجل الاستحواذ على أكبر قدر من المكاسب والسلطات في مرحلة ما بعد مبارك. ما الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن: المجلس الأعلى للقوات المسلحة ما زال يدير شؤون البلاد والإخوان المسلمون يريدون الإطاحة به. فمن من القوتين ستفوز بهذا الصراع؟! من وجهة نظري فإن فرصة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للاحتفاظ بالسلطة تصل إلى 80% بعد أن نجح ببراعة في تهميش أكثر قادة جماعة الإخوان المسلمين نفوذا وأقواهم شعبية خيرت الشاطر في انتخابات الرئاسة الماضية بدعوى عدم انطباق الشروط عليه. أدى ذلك إلى وصول مرشح الجماعة الأقل قوة ونفوذا محمد مرسي إلى رئاسة مصر. وقد كشفت الأسابيع الأولى لرئاسة مرسي أنه متردد وغير مستعد للمواجهة أو خوض معركة سياسية ضد قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. بشكل عام ، مازال الليبراليون الذين نزلوا ميدان التحرير يوم 25 يناير هم أمل مصر والحلفاء الوحيدون للغرب الذين يستحقون الدعم. ومهما كانوا بعيدين الآن عن السلطة فإن ظهورهم يمثل فرصة فريدة أمام التخلص من ستين عاما من الطغيان والتدهور في مصر. * رئيس منتدى الشرق الأوسط وأستاذ زائر بجامعة ستانفورد الأمريكية - (ناشيونال بوست) الكندية