حزنت على الفتاة السعودية «وجدان» التي شاركت في دورة الألعاب الأولمبية، فمشاركتها منذ بدايتها حتى نهايتها سلسلة من «المرمطة» التي ربما تحتاج الفتاة إلى شهور طويلة وربما سنوات كي تتخلص من آثارها النفسية. ففي البداية ثار الجدل حول هل ستشارك هي أو غيرها من بنات السعودية في الألعاب الأولمبية، فأحياناً نقرأ كلاماً نفهم منه أن المملكة ستشارك في دورة لندن ب «رياضيات» سعوديات، ثم نقرأ كلاماً رسمياً أو منقولاً عن مصادر رسمية أن المملكة لن تشارك بفريق نسائي. وفي كلتا الحالتين تكون الصورة أشبه ما تكون برسمة كاريكتيرية لأننا حتى لو تجاوزنا الجدل الاجتماعي والديني حول المشاركة فإن مجرد التفكير بإرسال «رياضيات» سعوديات إلى أولمبياد لندن هو «لغز» كبير؛ فأين «الرياضيات» السعوديات اللاتي يمكنهن المشاركة في مناسبة رياضية صغيرة، فضلاً عن مشاركة عالمية من هذا النوع بينما الفتاة السعودية لا تمارس الرياضة حتى في المدارس كجزء من منهج دراسي لا توجد دولة أخرى في العالم لا تضعه ضمن موادها الدراسية؟! ثم أخيراً، وبعد شد وجذب ظهرت صور فتيات سعوديات قيل إنهن سيشاركن في أولمبياد لندن، ثم تأكد الخبر مع استمرار الجدل حول المقصود ب «الضوابط الشرعية» لمشاركة الرياضيات السعوديات. وهنا تفجرت أزمة الحجاب بطريقة أخرى، عندما رفضت اللجنة الدولية الأولمبية والاتحاد الدولي للجودو مشاركة وجدان المحجبة، فثار جدلٌ جديد آخر حول مدى نظامية طلب اللجنة والاتحاد نزع وجدان لحجابها وعما إذا كان موقفهما متحيزاً ضد المسلمين أم أن النظام هو النظام ومن يريد أن يشترك في الألعاب الأولمبية فعليه احترام النظام بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أو معتقده الديني. كل ذلك والفتاة وجدان مصلوبة تحت أضواء حارقة من وهج الإعلام العالمي وفي مواقع التواصل الاجتماعي المحلي. أما الإعلام العالمي الذي أبدى فضولاً كبيراً فقد حوَّل قصة الفتاة وجدان إلى ما يشبه مادة للتسلية، وأما في مواقع التواصل الاجتماعي المحلي فقد صارت وجدان ضحية للتجاذبات والمزايدات التي نعرفها والتي تعودنا عليها في مناسبات أخرى كثيرة سابقة. وبعد كل هذه «الدوشة» التي صَمَّت الآذان وأعمت الأعين بضجيجها وأضوائها دخلت فتاتنا البريئة إلى حلبة الجودو لتجد نفسها أمام خصم مُدَرَّب ومُهيَّأ منذ أزمنة بعيدة لهذه المعركة الأولمبية الفاصلة والحاسمة؛ وما هي إلا ثوانٍ معدودة جداً حتى هَوَت بطلتنا اليافعة البريئة وسقطت على الأرض بين مخالب وأنياب البنت البوتوريكية «موخيكا» التي يمكن أن تفتك بأسد جائع رغم «تعاطف» الجمهور الذي التهبت أكفه بالتصفيق لتشجيع وجدان الفتاة التي خاضت معارك «غير رياضية» طاحنة كيما تقف - مجرد تقف! - على هذه الحلبة الأولمبية. سوف يُسجل لوجدان، رغم الهزيمة التاريخية، أنها تحملت بشجاعة كل الآلام التي جلبتها لها مشاركتها في دورة الألعاب الأولمبية، وأنها وضعت لنفسها مكاناً - ولو صغيراً - في تاريخ مسيرة المرأة السعودية. وسوف يستمر الجدل عن وجدان وعن هذه المسيرة؛ لكنني أرجوكم أيها المسؤولون عن الرياضة في بلدنا أن تأخذوا مشاركة المرأة في الرياضة بمنتهى الجدية سواء قررتم مستقبلاً المشاركة أو عدم المشاركة، فقد وضعتمونا في موضع لا نحسد عليه أمام عيون العالم. وقبل ذلك نرجوكم إتاحة الفرصة للفتاة السعودية أن تمارس الرياضة في المدرسة وفي الجامعة كضرورة صحية وتربوية فهذا أهم من دورة لندن الأولمبية. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض