د. نهار بن عبدالرحمن العتيبي: يعتقد بعض المسلمين أن التهنئة بقدوم رمضان بدعة ليست عليها دليل من الكتاب والسنّة، وأنه لم يثبت في ذلك حديث والعبادات مبنية على التوقيف، وهذا الاعتقاد صحيح فيما لو لم يرد دليل وفيما لو كانت التهنئة عبادة أما إذا دلت عمومات الأدلة على جواز التهنئة وربما مشروعيتها عند بعض أهل العلم، وكانت التهنئة من قبيل العادات لا العبادات تبيّن أن القول ببدعية التهنئة قول غير صحيح فإن التهنئة دلّت عليها أدلة عامة يمكن إيجازها فيما يلي: أولاً: أن الخالق بيّن سبحانه وتعالى في كتابه فرح عبادة المؤمنين بالطاعة فقال جلَّ شأنه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة يونس: آية 58]؛ والتهنئة بهذا الشهر هي من أوضح ما يعبر به عن الفرح بقدوم شهر رمضان فإن ذلك يدل على الرغبة في الخير والفرح بالعمل الصالح. ثانياً: ثبت في الصحيحين في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه عندما بشّره النبي صلى الله عليه وسلم بتوبة الله تعالى عليه، حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو يبرق وجهه من السرور (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) فقام طلحة رضي الله تعالى عنه وهنأ كعب على توبة الله تعالى له فكساه كعب ثوبه، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكره عليه وهذا يدل به على جواز التهنئة بالعمل الصالح بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: أن التهنئة بالعيد وردت عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: قال الإمام أحمد رحمه الله: «ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبّل الله منا ومنك»، وسُئل - رحمه الله- عن قول الناس: تقبل الله منا ومنكم؟ قال: لا بأس»، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة ابن الأسقع؟ قال: نعم، قيل: فلا تكره أن يُقال هذا يوم العيد؟ قال: لا..» قال ابن القيم رحمه الله فيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل ومصافحته، فهذه سنة مستحبة، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية، وأن الأوْلى أن يُقال: يهنك بما أعطاك الله، وما منّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام، فإن فيه تولية النعمة ربهّا، والدعاء لمن نالها بالتهني بها «. فإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يهنئ بعضهم بعضاً بالعيد لأنه عبادة وشكر لله تعالى فكذلك التهنئة بقدوم رمضان لا على أساس أن التهنئة هنا عبادة يجب التزامها كما يفعل بعض الجهال عند الانتهاء من الصلاة ولكن على أساس أنه عادة وفرح بالعبادة وليس من اللازم التزام هذه التهنئة فإنها من باب المباحات فقط. رابعاً: إذا كان الإنسان يهنّأ بما يسره من أمور دنياه فتهنئته بأمور دينه من باب أولى، فلأن يُهنّأ بما يسره لا على جهة العمل بما ورد من الأحاديث الضعيفة لكن باعتبار أن التهنئة لها أصل فيما يسر عموماً فقد جاءت في أمور الدنيا ففي أمور الآخرة من باب أولى. خامساً: أن التهنئة بقدوم شهر رمضان تشمل الدعاء فتكون من باب الدعاء فإذا هنأ المسلم أخاه المسلم بقوله بارك الله لك في رمضان، أو أعاننا الله وإياك على الصيام والقيام، أو تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، أو نحو ذلك فإن هذا دعاء يرجى إجابته. والمتأمل للتهنئة يجد أن فيها فوائد كثيرة يستفيد منها المسلم فإذا كانت هذه التهنئة مباحة وترتب عليها فوائد أخرى كان وجودها بين المسلمين أمر طيّب يشجع عليه ففي التهنئة بقدوم رمضان تشجيع على العبادة سواء بالتذكير بفضل هذه الشهر الكريم أو التشجيع على استغلاله، وفيها إظهار فرح وسرور المسلم بهذا الشهر الكريم، وبناءً على ذلك فإن ما يقوم به الناس في الوقت الحاضر من التهنئة عبر وسائل التقنية الحديثة كرسائل الجوال أو البريد الإلكتروني، أو غيرها من الوسائل المعتادة كالرسائل هو أمر جائز ولا تثريب على من فعله، بل إنه قد يكون من صلة الرحم أو التواصل المطلوب بين المسلمين. * عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب