في ندوة عقدها عدد من السينمائيين المصريين مخرجين وممثلين ومصورين في مدينة مالمو السويدية وكنت حاضرا تلك الندوة تحدثوا فيها عن الأفلام التي صوروها أبان حقبة ما يطلق عليه الربيع العربي ثم عرضوا علينا فلما سينمائيا وثائقياً صوره أحد المخرجين ويمثل الفيلم موقف المثقف المصري والسينمائي المصري من الأحداث الجارية في بلده وهم مسرورن بذلك الإنجاز لأن الكاميرا تمكنت من التوغل داخل المجتمع المصري وداخل المجتمع الثقافي. الفيلم بحد ذاته لم يشكل أية أهمية سينمائية بالنسبة لي. فهو فلم بسيط جداً، فواصل الفضائيات التي كانت تبث أثناء الربيع المصري أفضل منه وأكثر إتقانا. وحاولوا خلال حديثهم إضفاء أهمية على الفيلم بالطريقة المصرية المعروفة ثم تركز الحديث عن محاكمة الرئيس المصري السابق بمعنى أن الحديث أخذ مساراً سياسياً. طلبت مداخلة وتساءلت من خلالها بالقول «السؤال المطروح اليوم على السينمائيين المصريين، هل السينما ما بعد الربيع العربي المصري سوف تتقدم كما ونوعا أم ستتأخر. هل سيجرؤ أي منتج مصري أن يغامر بماله لإنتاج فلم سينمائي؟! وهل سيكون مصير صالات السينما مثل مصير صالات سينما العراق التي هدمت حقداً على الثقافة أو تحولت إلى مخازن للسلع البلاستيكية المستوردة؟! هل سيقبل السياسيون الجدد في مصر من بناء صرح سينمائي ثقافي مصري على أنقاض صرح سينمائي قديم؟ كم سيكون عدد العاطلين عن العمل من المخرجين والممثلين والتقنيين في مجال السينما؟ هل سيتحول الإنتاج السينمائي إلى نتاج تلفزيوني وما هو نوع الدراما المصرية الجديدة بعد الربيع العربي المصري؟ هل بإمكان السينما المصرية أن تحصل على دعم مالي أوربي أو خليجي لإنتاج الأفلام السينمائية؟ مع ما هو نوع الرقابة السينمائية الجديدة وما هو المسموح والممنوع في السينما؟!، وإذا كان نجيب محفوظ قد تم الإعتداء عليه ضربا وبعد حيازته جائزة نوبل بسبب روايته «أولاد حارتنا» المنشورة عام 1959 ولم يسمح بإنتاجها للسينما فما الذي سوف يحصل للأفلام المأخوذة عن رواياته التي تحول أغلبها للسينما؟ ما هي الأفلام التي يمكن للسينمائيين المصريين المشاركة بها في المهرجانات السينمائية؟ وأي من الأفلام المصرية السابقة سوف يسمح بعرضها ، وهل سيعاد الموقف الرقابي من تلك الأفلام وتبدأ غربلة للمسموح والممنوع؟ ورغم كل ملاحظاتنا الفكرية والفنية على الأفلام العربية في مصر، فهل سيتم تقطيع أوصالها أم ستبقى سليمة وإذا بقيت معافاة فهل ستعرضها الفضائيات المصرية؟ كل هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات وهو واقع خطير في مجال الثقافة والثقافة السينمائية. عندنا نحن في العراق وبدون ربيع عربي بعد التحولات السياسية التي جرت وطويت صفحة الدكتاتورية تجرية مرعبة في مجال الثقافة، فبعد أن مل المثقفون من الأفكار القسرية والشمولية للحقبة الدكتاتورية أتاهم وبشكل غير متوقع فكر «لا يسمح» وبدون جدل الحديث عن الفن والسينما، حتى أن مسؤولا كبيراً في الدولة العراقية ذهب لحضور حفل نشاط مدرسي وعندما فتحت الستارة وبدأت موسيقى نشيد مدرسي وضع المسؤول العراقي «البروشور» الذي بيده عن برنامج الحفل، وضعه أمام عينيه حتى لايرى الطلبة الصغار وهم ينشدون نشيداً مدرسيا مصحوبا بالموسيقى! ولا أريد أن أتحدث عن تجربتي هنا مع فلم المغني الذي صورته في العراق عام 2009! حيث صورت فلما موازيا Making off عن تجربتي في إخراج الفلم وهو فلم طويل سوف أنجزه في القريب عن تجربة إخراج فلم في العراق بعد حقبة الدكتاتورية! ليس الربيع العربي هو المهم فهو مغر كثيرا للمشاهدة ومغر لحلم التغيير بعد أن مل الناس من أنظمة دكتاتورية وشمولية بل المهم ما بعد الربيع فيما إذا سيكون صيفا، خريفا، أم شتاءً وبشكل خاص الجانب الثقافي من الربيع! يمكن ترتيب البيت الأقتصادي ويمكن بشكل أو بآخر ترتيب البيت الإجتماعي. ويمكن للناس أن تسكت وتطعم أبناءها الخبز، أياً كان طحين الخبز حتى وإن خبزاً مجازياً وسيبقون هكذا لفترة غير قليلة من الوقت.. ولكن الأصعب سيكون حال المثقف وبشكل خاص تلك الثقافة التي تحتم الضرورة الطبيعية وجودها في الشارع، أعني الفلم السينمائي والكاميرات والإنارة ورافعات الكاميرا ورافعات الصوت والمجاميع وقبلها كتابة القصة والسيناريو ومرور هذه النصوص على رقابة لم تكن مريحة للسينمائيين من قبل وتوجت بالإعتداء على أهم رمز من رموز الرواية العربية نجيب محفوظ وهو كاتب مسالم وطيب وشفاف.. ترى من يكتب الرواية الجديدة التي تصلح للسينما ومن يجيزها ومن يؤدي أدوارها وعلى أية شاشة صالة سينما سوف يتم عرضها؟ [email protected] سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا