لطالما كانت الساعات التي تسبق رؤية (هلال رمضان) مليئة بالعجايب، ومسرحاً للتحديات والتناقضات بين الفلكيين هنا وهناك.. لن تروه اليوم لأن الشمس ستغيب الساعة الفلانية والقمر سيولد عند الساعة الفلانية، مما يعني استحالة رؤيته..! نفهم أن تكون هذه تصريحات الفلكيين الذين يدرسون مختلف العلوم وباتوا اليوم قادرين على تحديد مختلف الظواهر الفلكية بدقة (كالكسوف والخسوف)، ولكن أن يفتي في هذا الحقل بعض العوام الذين لا يفقهون في الفلك إلا ما أفقهه أنا في علم التشريح! فهذا أمر غير منطقي، حتى لو كان لهؤلاء قدرة أو خبرة (بدائية) في وضع منازل للقمر بالحجر أو الخطوط على الرمل وما شابهه ثم رصده (بالعين المجردة) في المنزل المنتظر، فقد تصيب هذه التخمينات والاجتهادات مرة ولكن من المؤكد أنها لن تصيب في كل مرة..! يقابل ذلك كله قول علماء الشريعة ورأيهم في وجوب الصوم لرؤيته والفطر لرؤيته عملاً بالحديث الشريف، وهنا القول الفصل في المسألة والتي يمكن توحيدها في العالم العربي والإسلامي حال وجد العلماء لذلك سبيلاً. في سنوات مضت عانى العالم العربي والإسلامي من بعض الانقسامات في هذا الباب تحديداً من بعض الأنظمة السابقة (كنظام القذافي البائد) التي كانت تخالف إجماع أغلب المسلمين في صومهم وفطرهم بشكل ساخر ومضحك وعلى طريقة خالف تُعرف..! أما اليوم فنحن نتوقّع إجماعاً أكبر في معظم الدول العربية والإسلامية للصوم برؤية موحَّدة وتفعيل قرارات مؤتمر جدة الذي أقرته منظمة المؤتمر الإسلامي في ما يتعلّق بالرؤية الشرعية لأهلة الشهور الهجرية، والتماشي مع قول علماء الفلك في ذلك. والذي على ما يبدو أنهم منقسمون، ففي مصر والكويت يقولون إن رمضان سيكون يوم الجمعة المقبل فلكياً والسبت حسابياً، بينما المشروع الإسلامي لرصد الأهلة والذي يضم نحو 400 عالم حدد يوم السبت موعداً لبدء الصيام، فلكيون كثر انقسموا في اليومين الماضيين عبر الصحف العربية والشاشات التلفزيونية فمنهم من يقول إن الصيام يوم الجمعة ومنهم من يؤكّد أن الهلال يستحيل رؤيته ليلة الجمعة وأنه سيرى يوم الجمعة مساءً ليلة السبت مما يعني أن الصيام بالسبت، بينما مجالسنا تترقب تصريحات فلان اللي يجيب العلم عصر الخميس وحتى قبل غروب الشمس..! عموماً رغم كل هذه التقنيات والميكرسكوبات والقرارات، سيظل دخول الشهر الفضيل محتفظاً برهبته وفجائيته وروحانيته بعد مغرب آخر ليلة من شعبان عندما نقلب أعيننا في السماء وسط العواصم والأنوار الساطعة لتتعالى الأسئلة وتتكرر: هاه شافوه.. والا ماشافوه..؟! تقبّل الله منَّا ومنكم، وعلى دروب الخير نلتقي. [email protected] [email protected]