حدثت الحرب العالمية الأولى وخسرت البشرية ملايين البشر وتكونت عصبة الأمم، وبعد انتهائها بعشرين سنة تقريباً اندلعت الحرب العالمية الثانية، ومرة ثانية خسر العالم الملايين من الناس وتشكلت المنظمات الدولية خاصة مجلس الأمن الذي أعطي فيه خمس دول امتيازاً يسمى Veto (حق النقض)، هذه الدول هي: إنجلترا، فرنسا، أمريكا، الصين وروسيا. ومنذ ذلك الوقت تصدرت الولاياتالمتحدة وعلى وجه الخصوص بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في التسعينات حيث تفردت في المجلس ولم يبق فيه سلطة إلا صوت الولاياتالمتحدة. انتهى القرن العشرين وكانت أمريكا لا تزال تهيمن على العالم وقامت بغزو أفغانستان، تلا ذلك غزو العراق وهنا بدأ الخط البياني لها في الهبوط بسبب التكاليف الباهظة التي تكبدتها، وجاءت الأزمة العقارية فزعزعت أركان اقتصادها وبعدها حدثت الأزمة العالمية المالية فزادت الطين بلة وأصبحت في وضع اقتصادي حرج ووصلت ديونها إلى خمسة عشر تريليوناً، في الوقت الذي كان الشرق يتجه باقتصاده نحو القوة والنمو الحثيث والمتصاعد الذي ظهر جلياً في الصين والهند وروسيا الاتحادية وماليزيا إضافة إلى البرازيل ودول أخرى وأصبحت الصين الدائن الأكبر للولايات المتحدة وبذلك امتلكت نسبة عالية من سندات الخزينة الأمريكية. تفاقمت الأزمة المالية العالمية وتخطت حدود أمريكا عابرة المحيط الأطلسي لتجتاح أوروبا ودولاً أخرى وهي لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على العالم بأكمله مع وجود استثناء، وذلك يتمثل بارتفاع الخط البياني للنمو ممثلاً بالصين والهند والبرازيل وروسيا الاتحادية الأمر الذي انعكس سلباً على القطبية الأحادية التي تمتعت فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية بصلاحية مطلقة، وجاءت الأزمات العربية في الشرق الأوسط وبدأ نجم القطب الواحد الأمريكي في الأفول وظهرت براعم تشكل أقطاب عدة في الظهور وقد وجدناه جلياً باستعمال الفيتو المزدوج الروسي الصيني في الأزمة السورية. وتطالعنا مراكز الأبحاث والصحف العالمية يومياً بأخبار عن عجز ميزانيات الدول الغربية ابتداء من أمريكا وانتهاء بالدول الأوروبية التي تشعر بأن اليورو مهدد بالتدهور إذا استمر الوضع كما هو الآن، وبالطبع ظهرت إصلاحات جديدة في الإعلام العالمي مثل عالم جديد، وسقوط القطبية الأحادية، وتوازن القوى الدولية السياسية والأمنية والعسكرية، الأمر الذي أفرز علاقات إقليمية تختلف كل الاختلاف عن ما ألفناه من علاقات دولية في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، وهكذا انطلقت شرارة زوال القطبية الأحادية وبدأ تشكيل عالم متعدد الأقطاب ينهي فترة كانت مسجلة تحت اسم قطب واحد أمريكي ولا غير وبمعنى آخر سنشهد في السنوات القادمة القليلة خريطة سياسية يدون عليها أسماء جديدة لم تكن موجودة في الخريطة السابقة مع ملاحظة انهيار اقتصادي وعسكري وسياسي واجتماعي غربي وسطوع شمس اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية شرقية، ومثل هذا الأمر لم يعد يخفى على أحد. فرنسا وبريطانيا في حالة تقشف واحتلت البرازيل موقع بريطانيا السادس في الاقتصاد العالمي. هل سنشهد تغيراً في الاقتصاد والقوى العظمى في القرن الحادي والعشرين ونشهد المخاض الذي يؤدي إلى تلك النتيجة؟ وسط هذا الاضطراب المالي العالمي الذي أصاب العديد من الدول بمقتل كان لا بد من ظهور انعكاس لذلك تمثل بهذا الصراع الذي نراه اليوم على مستوى العالم كله وفي مجلس الأمن بشكل خاص ومثل هذا الأمر طبيعي طالما أن هناك عجزاً مالياً واختلالاً في الميزانيات خاصة لدى الدول الكبرى وبيوتات المال الكبرى من بنوك وشركات التي أعلن العديد منها الإفلاس لدرجة أن ذلك الإفلاس قد شمل عدداً من الدول الأوروبية مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا وأيسلندا، ولم يقتصر ذلك الاضطراب على المجال المالي فقد ظهر جلياً على الوضع السياسي الذي نراه اليوم على شكل صراع بين الدول العظمى ونشاهده يحدث يوماً بعد يوم، إذ إن هناك الأحادية القطبية الأمريكية التي تحاول إبقاء سيطرتها على الكعكة بأكملها وتعاونها في ذلك أوروبا الغربية، وفي المقابل تقف روسيا والصين وماليزيا والبرازيل وتركيا وبولندا ذات الاقتصاديات الصاعدة. والحقيقة فإن هذا الصراع هو صراع التماسيح، صراع يسعى فيه كل من هذين الفريقين أن يحقق معطيات اقتصادية وسياسية واستراتيجية تؤمن له مصالحه على المدى القريب والمتوسط والبعيد، واستناداً إلى هذه الحيثيات كان لا بد من إيجاد ساحة لهذا الصراع ولسوء الحظ فإن الوطن العربي هو الذي يدفع دائماً الثمن الباهظ لتلك الصراعات كما كان الحال بعد الحرب الأولى، كان ذلك في معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور وبعد الحرب العالمية الثانية، كان ذلك في زرع إسرائيل في فلسطين عام 1948م لفصل المشرق العربي عن المغرب العربي، وأثناء الحرب الباردة وما بعدها. ونسأل ما هي المصلحة التي حققتها الدول الكبرى للعرب! كم وددت لو أنني أستطيع أن أجد قراراً واحداً صدر عن مجلس الأمن هذا لصالح الوطن العربي مقابل مئات القرارات التي صدرت ضد مصلحة العرب.