تمخّضت أفكاري أثناء وبعد حضوري لأحد الملتقيات العلمية التي نظمتها جامعة الملك سعود فأنجبت هذه الأسطر. حيث تطرّق اللقاء العلمي في أحد محاوره إلى وضع المرأة في العصور القديمة، وما لفت انتباهي وأشعل فضولي هي مقولة لإحدى المتحدثات نقلتها عن الفيلسوف اليوناني أرسطو حين قال ((تزوجوا فإن لم تسعدوا فستكونون فلاسفة))، وحسب معلوماتي المتواضعة عن العصر اليوناني القديم الذي عاصره أرسطو فإنّ المرأة قد عاشته تحت النظرة الدونية التي كانت تجلد بها وتصادر تحتها جميع حقوقها وأبسطها ولكم حرية التخيُّل في أبسطها، وأنّ أرسطو هو من عزّز تلك النظرة في فلسفته المعروفة عن المرأة والتي علّقت عليها الباحثة سوزان بل بقولها: ((إنّ الصورة التي رسمها أرسطو للمرأة بالغة الأهمية فقد ترسّبت في أعماق الثقافة الغربية، وأصبحت الهادي والمرشد عن النساء بصفة عامة))، كل ذلك جعلني أخرج من القاعة بعد نهاية الجلسات، وقد سرت في عروقي ثورات من الفضول والتساؤلات، عزّزتها تيارات من الحماس بُغية الكشف عن الزوايا الغامضة عن حياة ذلك الفيلسوف مع المرأة، لعلِّي أجد ما يضيء ويكشف سر كراهيته لها، وكعادتي توجّهت إلى المكتبة حيث تُمثل المُسكن الآمن لمثل هذا النوع من الثورات عندما تنتابني، إلاّ أنّ النتيجة جاءت بما يزيد من اشتعالها ودعمها. فلقد تزوج أرسطو مرتين كانت الأولى من بيثياس pythias التي ماتت قبله بفترة، مما جعله يوصي في حال وفاته أن يُجمع رفاتها وتُدفن معه في نفس القبر - هذه المعلومة أدهشتني لأنها ناقضت بعضاً مما يقوله عن المرأة، لكني سايرت نفسي وقلت لحظة ضعف وغلط فيها - أما بالنسبة لزواجه الثاني - فجاء بالطامة التي نسفت كل توقُّعاتي - حيث تزوج من هيربيليس Herpyllis التي بلغ حبه لها والحرص على حياتها درجة بعثت فيه القلق والخوف على مصيرها بعد مماته، وهذا ما شهدت به وصيّته التي نشرها مؤرِّخ الفلسفة الألماني فيرتر بيجر في أحد مؤلفاته، والتي جاء فيها إعطاء الوصاية إلى نيكانور لرعاية تلك الزوجة المحظوظة بالنسبة لعصرها، وأن يُترك لها الحرية في حال أرادت الزواج بعد وفاته شرط أن يكون ذلك الرجل فاضلاً ويستحقها، وعليه أن يوفر لها من الخدم ما يكفل راحتها وسعادتها، وأن يسكنها منزلاً يؤثثه بما تراه هيربيليس مناسباً لها. لم أشعر بنفسي إلا وقد وقعت تحت ضربات من الذهول، فأي حب يحمله ذلك الفيلسوف تجاه زوجتيه، وأي تناقض يزجني فيه يُسفل بالمرأة في فلسفته وكتاباته وهو ينعم معها بالسعادة والهناء التي لم تتحقق لعنترة مع عبلة، حتى بعد أن دفع المسكين ألف ناقة حمراء من نوق الملك النعمان، والتي أيضاً لم تتحقق لقيس وليلى ودفعا حياتهما ضريبة في سبيلها. إنّ ما يعنيني هنا ليس أرسطو ولا دهاليز الفلاسفة في تحليلاتهم لتاريخ حياته، وإنما الذي يعنيني هي أفكاره المتناقضة مع حقيقة حياته مع المرأة، والتي ذكّرتني بمقال لأحد الكتّاب سرد فيه حقيقة علمية على حدِّ قوله بأنّ (عدم شرب المرأة للماء قد يرفع من منسوب الغباء عندها)، ثم أخذ يضرب طبله حولها حتى وصل به الأمر بأن يحث مصممي غرف النوم بوضع صنابير للمياه إلى جوار الأسرّة حتى يتفادى الزوج غباء زوجته إذا استفحل عليها، وفي حال أراد التحاور معها، فكل ما عليه هو حمل (سطل من الماء) يرويها منه حتى يتسنى له التفاهم معها - سبحان الله - إلى هذه الدرجة وصل الأمر، أنا أعتقد جازمة بأنّ كل رجل يعلم أهمية المرأة في جميع أدوار حياته، وأنه في حال غيابها عن أحد هذه الأدوار أو ربما تقصيرها، يحدث الخلل على كافة الأصعدة وبمختلف الدرجات، فهو يحتاجها كأم ترعاه في طفولته، وكزوجة تشاركه وتسانده في حياته، وكابنة تبرّه في زمن يكاد يتلاشى فيه بر الأبناء أمام البنات، وكل رجل يعلم أيضاً أنّ هناك الكثير من النساء تفوّقن على بعض الرجال في العقل والحكمة وفي حملهن للمسئولية، بعد تنصّل هؤلاء منها - خصوصاً في زماننا الأغبر الذي قلّ فيه الرجال، وإن كنتم ترون أشباههم يهيمون في كل مكان - لا أعلم إن كان إنكار الاعتراف بفضل المرأة وأهمية ما تقوم به أو حتى النظرة لها بأنها أقل ذكاءً من الرجل لدى البعض، هو نوع من الغرور الذي يأتي كنتيجة لضعف في الشخصية؟ أم هو سذاجة تؤدي لعدم التوازن بين الأقوال والأفعال؟ أم هو وباء نفسي جاء كنتيجة لعادات متخلّفة امتدت على كافة العصور والأمكنة؟ أم هو الطريق الأقصر لتحقيق الرجولة الوهمية؟ أياً كانت الإجابة على ما سبق، فأنا لديّ كامل القناعة في أمرين لعلِّي أسوقهما إلى أشباه أرسطو في تناقضاته. الأول: يتمثل في قول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهنّ إلاّ كريم، وما أهانهنّ إلاّ لئيم)) - رواه أحمد -. والثاني: هو أنّ نظرتكم إلى المرأة ستكون بمثابة المرآة التي ترون بها أنفسكم، فأنا أوافق الحكيم والشيخ عبد الغني وردة - الذي توفي عام 1982م - حين كان جالساً مع مجموعة من الرجال، فطرح بعضهم موضوع الزواج والنساء فقال أحدهم: المرأة كالحذاء يستطيع الرجل أن يغيّر ويبدِّل ويغيّر حتى يجد المقاس المناسب له، فنظر الحاضرون إلى الشيخ وسألوه: ما رأيك بهذا الكلام؟ فقال: ما يقوله الأخ صحيح تماماً!! فالمرأة كالحذاء في نظر من يرى نفسه قدماً، وهى كالتاج في نظر من يرى نفسه رأساً، فلا تلوموا المتحدث بل اعرفوا كيف ينظر إلى نفسه؟؟ . [email protected]