مر فيلسوف بامرأة شنقت نفسها في شجرة، فقال: «ليت كل الأشجار تحمل مثل هذه الثمار!». ولم تكن هذه مجرد دعابة عابرة، بل كانت تعبر عن أفكار يعتقدها أكبر الفلاسفة عبر التاريخ، تمثل النزعة الذكورية الكارهة للمرأة! ويتدرج هذا العداء لها ما بين عداء لجسدها، كما قال نيتشة «لا تذهب إلى المرأة إلا وأنت تحمل السوط!»، أو عداء لفكرها حسب برنارد شو «مَن قال إن المرأة ليس لها رأي؟ المرأة لها كل يوم رأي جديد!»، أو عداء لعاطفتها، كما قال بلزاك «المرأة تكتم الحب 40 سنة، ولا تكتم البغض ساعة واحدة». وقلص هؤلاء مهمتها في الحياة لراحة الرجل فقط، على رأي نيتشة «الرجل خلق من أجل الحرب، أما المرأة فمن أجل استراحة المحارب». ويجهل الكثيرون سر هذا الموقف العدائي، بل حتى الفلاسفة أنفسهم لم يفهموه، كما صرح بذلك فرويد «بعد 30 سنة قضيتها في دراسة نفسية المرأة، لم أجد بعد الجواب عن ذلك السؤال الكبير: ماذا يردن بالضبط؟». فما سر هذا الموقف التعبوي والنظرة الإقصائية للمرأة؟ هل لأن المرأة ضد المنطق وتبحث عن الطمأنينة لا الحقيقة مثلهم، أو لأنها رمز للدعة والضعف؟. هذه النظرة الدوغمائية المتشككة إلى المرأة، أثبتها الكاتب إمام عبدالفتاح في كتابين، أحدهما «أفلاطون والمرأة»، والثاني «أرسطو والمرأة»، مؤكدا أن سبب تأليفه للكتابين أن يؤكد أن الصورة السيئة لدى العرب منشؤها الفلاسفة اليونانيون! وعليه ليس لنا أن نلوم النظرة العربية الذكورية التي تنظر إلى الرجل على أنه مكمن القوة، ومصدر السيطرة، كما قال أبوطاهر القرمطي يسخر من تحكم النساء بالبلاط العباسي «يا بني العباس، من ينصركم؟ أصبي أم خصي أم امرأة؟». وراح البعض يلتمس لهم العذر ويتهم زوجات الفلاسفة بأنهن السبب في تضييق العيش على أزواجهن، بناء على مقولة سقراط لتلاميذه «تزوجوا.. فإما أن تكونوا سعداء، أو تصبحوا فلاسفة». ولم يقلها جزافا بل من واقع عايشه، فمرة كان جالسا على مكتبه يقرأ ويكتب وسط تلاميذه وكانت امرأته تغسل الثياب فراحت تحدثه بأمر ما، وبلهجة حادة، فلم يرد عليها، وهنا ارتفعت حرارة الغضب عند المرأة، فتقدمت منه وصبت فوق رأسه الماء الساخن من وعاء كبير، فبهت تلامذته، فقال الفيلسوف على الفور «أبرقت ثم أرعدت ثم أمطرت!». وهو الأمر الذي أنكرته سونيا زوجة تولستوي فقالت «إن زوجات العظماء العباقرة تعيسات شقيات في حياتهن، وهن الضحايا اللواتي تعمل فيها الخناجر دون رحمة». ولكن وفاة زوجها في نهاية محزنة بددت هذا التعاطف، إذ إنه هرب من منزله ذات ليلة على غير هدى، وقد ركب أحد القطارات في جو بارد مثلج ووجد ميتا بعد 11 ليلة في القطار، وقد ترك بجانبه ورقة أوصى فيها ألا تراه زوجته بعد موته، ولا تشارك في جنازته. ويبدو أن المرأة العربية حذت حذوهن في مقارعة الحكمة، فالإمام الشعبي لاقى الأمرين، حيث كانت أمه تقتحم عليه دروسه التي تعج بالمئات من الطلاب من كل حدب وصوب، لتطلب منه أن ينهض.. فقط ليطعم الدجاج! فهل نعتبر الفلاسفة كرهوا المرأة لأنها لم تمتثل لما طلبه سارتر منها «ألا تقول إلا ما يجب أن يقال»؟