طالب قاضٍ في ديوان المظالم، وعضو مركز الدعوة والإرشاد عدم التهاون في سنّة عقيقة المولود، حيث يلحظ عزوف «بعض» الناس وتهاونهم في هذه السنَّة بسبب الجهل بها وبمشروعيتها، وأضافا أن على الدعاة والمشايخ وطلاب العلم بيان مسائل الدين وأحكام العقائد والعبادات في الخطب والمحاضرات والكلمات الوعظية التي يلقونها في مساجدهم وملتقياتهم الدعوية والجماهيرية. وتعد «العقيقة» من الأعمال التي ندب إليها وحثّ عليها الشرع، ولكن تكامل أو تغافل بعض الناس عن أدائها أثار العديد من التساؤلات حول هذا الأمر، وفي هذا التحقيق تطرح «الجزيرة « القضية على صاحبي الفضيلة ليتحدثانا عن ذلك وفق الرؤية الشرعية. التباطؤ في الأداء يقول القاضي في ديوان المظالم بجدة الشيخ بندر بن صالح الحميد: من روائع شرعنا المطهر سعيه الدائم إلى إحداث التوازن بين كل طرفين متقابلين بفرضه حقوقًا متبادلة كالحقوق بين الزوجين والحقوق بين البائعين ومن أبرزها تلك الحقوق التي على الولد أمام والده وعلى الوالد أمام ولده، فالشارع الحكيم قد وجّه الأب قبل قيام رابطة الزوجية بحسن اختيار الزوجة وأرشده إلى اختيار ذات الدين، تمهيدًا لحسن تربية الولد وغرس المبادئ والقيم فيه وإن المتأمل للتوجيهات النبوية في نصوصها المتكاثرة يدرك ذلك جليًا، ومن تلكم الحقوق التي على الوالد أمام ولده ما سنّه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه شكرًا لله على ما أنعم به من إعطائه الولد، حيث قال: «من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل» رواه الإمام مالك وقد روى أصحاب السنن عن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويتصدق بوزن شعره فضة أو ما يعادلها ويسمى» ويذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، لما رواه الترمذي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم «أمرهم أن يعق عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة». وواصل فضيلته يقول: من الملاحظ في الآونة الأخيرة بداية العزوف عن أداء هذه السنَّة التي ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها ولا استطيع أن أصف ذلك بالعزوف التام إلا أنه يوجد تباطؤ في أدائها وأرجع ذلك في تقديري إلى سببين رئيسين: أولهما سبب مادي والآخر سبب تربوي فأما المادي فإن المطلع على أسعار المواشي اليوم يجد ارتفاعًا ملحوظًا وتزايدًا لا يستطيع معه عامة الناس عن اقتنائها إلا بعد العنت والمشقة التي تلحق بهم وهو سبب شرعي يرفع عن الشخص المسؤولية من أدائها لعموم قول الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَاَ} ولقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. واسترسل قائلاً: إن المتتبع لحال الناس اليوم وهم يغرقون أنفسهم في الديون لاقتناء الكماليات ولمجارات العادات يؤكد أنه ليس من اللائق لمن هذه حاله أن يمتنع عن أداء هذه السنة الجليلة متعذرًا بقلة ذات اليد، بل نص أهل العلم -رحمة الله- على أفضلية الاقتراض لأداء هذه الشعيرة لمن هذه حاله وقدر على الوفاء، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ومن عدم ما يضحي به ويعق اقترض وضحى وعق مالقدرة على الوفاء، وقال صالح بن الإمام أحمد، قلت لأبي: يولد للرجل وليس عنده ما يعق، أحب إليك أن يستقرض ويعق عنه، أم يؤخر ذلك حتَّى يوسر؟ فقال: (أشد ما سمعت في العقيقة حديث الحسن عن سمُرة عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (كل غلام مرتهن بعقيقته) وإني لأرجو أن استقرض أن يعجل الله له الخلف؛ لأنَّه أحيا سنَّة من سنن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واتبع ما جاء به، أ.ه، وهو علاج لمن أعجزته المادَّة عن أداء هذه السنَّة. وأضاف القاضي بندر الحميد يقول: وأما السبب الآخر المتعلق بعزوف الناس عن أداء العقيقة فإنه سبب تربوي متعلق بما لدى النَّفس من تعظيم أوامر الشرع غير الواجبة فعامة الناس اليوم لديهم عزوف جلي عن أداء السنن عمومًا والسنن ذوات الأسباب خصوصًا كما هي الحال في العقيقة فعدم استشعار أن تلك الشعيرة إنما فرضت لتأثيرها في انطلاقة الطفل وانشراحه وسَعة إدراكه؛ ولأنَّها شكرٌ لله عزّ وجلّ على هذا الولد، والشكر للنعم يزيدها، فيزداد هذا المولود - سواء ذكرًا أو أنثى- يزداد عقلاً وفهمًا ويسلم من الشرور بسبب عقيقته كما نص على ذلك ابن القيم -رحمه الله- عند تعليقه على قول المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم: «كل غلام مرتهن بعقيقته فاستشعار هذا الفهم عند ولادة المولود يورث لدى الأب تعظيمًا لهذه العقيقة بأنها من الأسباب المعينة على صلاح الابن ناهيك عن أن أداءها يعود على الأب ذاته بالأجر العظيم لتعظيمه شعائر الله، فنشر الوعي الشرعي بكثرة الحديث عن ذلك في مواطنها يذكر الناسي ويعين المبادر ويرفع من شأن هذا النسك في نفوس العامة، اسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. أسباب التهاون ويبيّن الشيخ أحمد بن محمد الصقعوب عضو مركز الدعوة والإرشاد ببريدة أسباب تهاون بعض الناس بالعقيقة.. ومنها الجهل بمشروعيتها - ومن هنا تبرز أهمية تبيين أحكامها وما يحتاج الناس معرفته من مسائلها وأهمية بيان مسائل الدين وأحكام العقائد والعبادات في الخطب والمحاضرات والكلمات، فوصيتي للدعاة أن يولوا هذا الجانب عناية يستحقها، فيضمّنوا خطبهم ومحاضراتهم وكلماتهم ومقالاتهم شرح أصول الدين والعقائد والأحكام بعبارة سهلة وأسلوب واضح، وكذلك رقة الدين عند البعض - فقد يعرف مشروعيتها لكن تهاونه بامتثال الشرع وتفريطه في بعض الواجبات الأخرى وارتكابه بعض المحرّمات يثبطه عن القيام بمثل هذه الشعيرة. ومن هنا يتبيّن لنا أهمية قوة الإيمان وامتثال أوامر الله ورسوله وتعزيز هذا الباب عند المسلمين، وينبغي أن يعلم المسلم أن تفريطه في باب من العبادات لا يسوّغ له الإخلال بالطَّاعات الأخرى، بل ينبغي عليه أن يسد النقص عنده بالطَّاعات الأخرى، ولا يدري المسلم أي أبواب الخير تدخله الجنة وترضي عنه ربه. ويؤكد الصقعوب أن الغفلة عن أثر العقيقة على المسلم والجهل بثمار إخراجها من أسباب التهاون وعلى المسلم أن يعرف أن إخراج العقيقة امتثال لأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث حثّ عليها وأكّد على فعلها، وأخرجها بنفسه صلوات الله وسلامه عليه، وأنها تفك الرهن عن المولود كما قال عليه الصلاة والسلام: (كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رأسه وَيُسَمَّى) رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه البخاري والترمذي، وأنها سبب في حفظ الولد وصلاحه، لأنَّ الشكر به تحفظ النعم، كما قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، ومن الشكر إخراج العقيقة، وهي سبيل حصول الأجر بذبحها، فهي داخلة في الذبائح التي يؤجر العبد عليها كالأضحية والهدي. من أسباب التفريط فيها: التكاسل في إخراجها في وقتها المحدد ثمَّ يتهاون في استدراك ذلك، ومن هنا نؤكد على المسلم أن يبادر في إخراجها في وقتها المحدد شرعًا، وإن استدان رُجِي له العوض والعون من الله، إضافة إلى البخل بالمال والشح بالمال، لاسيما مع غلاء الغنم، ويغفل أن العوض من الله، وأن الله يعطي المنفق خلفًا. الفضل والثواب ويكشف الداعية الصقعوب طرق العلاج التي تبيّن فضلها وثوابها وأحكامها للعامة، ولا تُشَعّبُ عليهم المسائل خاصة إذا عرفنا أن العقيقة سنة في حق الآباء أن أتوا بها أُجروا وأحسنوا، والقَدْرُ المشروع عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة، فإذا لم يجد عن الغلام إلا شاة واحدة إما لعدم قدرته أو لعدم وجودها وتوفرها فلا بأس أن يذبح شاة واحدة، والسنَّة ذبحها في سابع يوم ولادته، فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين من غير إيجاب لوروده عن عائشة، فإن أخذ به فحسن، وإن لم يأخذ به فلا بأس، فالإنسان في سعة من هذا، إن شاء ذبح على حسب ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-، وهو الأولى، وإن شاء لم يراع ذلك؛ لأنَّه ليس على سبيل الإيجاب، وبالنسبة للحمها - الأفضل أن يأكل منه ويعطي أقاربه والمساكين، وإن جعل وليمة ودعاهم لها فلا بأس وإن وزعها كلّها فلا بأس..