ولد الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله- في مدينة الطائف عام 1352ه 1933م، وهو الابن الثالث والعشرون من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - ونشأ بين إخوته تحوطه رعاية ومتابعة أبوية واهتمام خاص من والدته الأميرة حصة بنت أحمد بن محمد السديري المتوفاة عام 1389ه - 1969م والتي تتميز بحس أسري مميز، حيث عاش بين إخوته الأشقاء خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - وسلطان - رحمه الله- وعبد الرحمن وتركي وسلمان وأحمد - وهو الابن الخامس من بين أشقائه السبعة، ولقد كان نايف مثله مثل بقية إخوته، يحضر مجلس والده حيث كان منهج الملك عبد العزيز التربوي أن يصطحب أبناءه في سفره وإقامته، أو خروجه للتنزه أو الصيد والقنص، وكثيراً ما اصطحب معه نجله الصغير «نايف»، إذ كان هذا الجو يمثّل المدرسة الأولى التي تلقى فيها دروس الحياة الفروسية مما مهد له الطريق لرسم حياته العلمية والعملية والتي بدأها بدخولها مدرسة الأمراء، التي اختار لها الملك عبد العزيز خيرة العلماء الأفذاذ وكانت الدراسة تبدأ من يوم السبت إلى يوم الخميس ستة أيام من أيام الأسبوع وبواقع ست حصص، أربع منها قبل الظهر واثنتان بعده، وقد ختم الأمير نايف القرآن الكريم وهو ابن العاشرة عام 1362ه - 1943م، إذ قرأ آخر حزب من سورة البقرة أمام أخيه الملك سعود وذلك في المدرسة المحمدية بحي المعابدة في مكةالمكرمةلقربها من القصر الملكي، إذ كان الملك عبد العزيز يحرص في الإجازة الصيفية أن يلتحق أبناؤه في تلك المدارس لخلوّها من الطلاب وكان مديرها فضيلة الشيخ عبد الله عبد الغني خياط يقول الأمير نايف - رحمه الله عنه: «ذاك رجل نحبه ونهابه». وكان الأمير نايف يكتسب الكثير من المعارف والدروس وتظهر جلية في شخصيته التي برزت ومنذ وقت مبكر بقوة اليقين والتدين مع التوازن الظاهر بسلوكه المتزن ورزانته وعقله الراجح، ومحبته في إقرار الحق وإنفاذه ولو على نفسه، وأظهر في وقت البدايات الأولى نبوغاً واضحاً في التدرس بممارسة المهام العملية بكل كفاءة وعزم واقتدار، إذ عيّن سموه وكيلاً لإمارة منطقة الرياض بموجب الأمر الملكي رقم 1264 وتاريخ 17-6-1371ه الموافق 13 مارس 1952م، ثم عيّن أميراً لمنطقة الرياض بموجب المرسوم الملكي المؤرّخ في 3-4-1372ه الموافق 20 ديسمبر 1952م واستمر حتى تاريخ 25-8-1374ه - الموافق 18 إبريل 1955م، ثم صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ-45 وتاريخ 29-2-1390ه الموافق 3 يونيو 1970م بتعيينه نائباً لوزير الداخلية، ثم صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ-165 وتاريخ 17-9-1394ه الموافق 3 أكتوبر 1974م بتعيينه نائباً لوزير الداخلية بمرتبة وزير اعتباراً من تاريخ 16-9-1394ه الموافق 2 أكتوبر 1974م ثم صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ-54 وتاريخ 17-3-1395ه الموافق 29 مارس 1975م بتعيين سموه بمنصب وزير دولة للشؤون الداخلية، ثم صدر الأمر الملكي الكريم رقم أ-236 وتاريخ 18-10-1395ه الموافق 13 أكتوبر 1975م بتعيينه وزيراً للداخلية وحتى وفاته في 26-7-1433ه - الموافق 16 يونيو 2012م وفي 30 ربيع الأول 1430ه عيّن بأمر ملكي نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية. وفي 29 ذو القعدة 1432ه صدر أمر ملكي بتعيينه ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية واستمر في هذا المنصب حتى تاريخ وفاته في 26-7-1433ه الموافق 16 يونيو 2012م ومنذ تسلّمه للمنصب الأول وحتى تقلّده للمنصب الأخير وهو منصب بكل أمانة وكفاءة وجدارة واقتدار لدفة عمل كل هذه المهام فكان خير من استأجر بكل أمانة وقوة وعزم وحزم، بل إنه ودون أدنى مبالغة يعد ركيزة أساسية من ركائز الحكم السعودي ولأكثر من ستة عقود، وخيمة وارفة الظلال لفكر نيّر لأمن وطن في أمير اضطلع وفي أحلك الظروف وأعتى التحديات التي واجهتها المملكة ليقف بحكمة وحنكة وحسن تدبير ورعاية وكفؤية تصرف عقلاني هادئ ليضع الحلول الناجعة بكل عمق وأثر، فكان ذا موقف عقلاني وحازم مع كل ما يمس أمن واستقرار الوطن والمواطن وترتفع عقيرته في قطع دابر كل من تسوّل له نفسه المساس بهذا المكتسب الحيوي الهام، والكل يتذكر كيف تعامل سموه برؤية وفكر متقد إبان حادثة الحرم المكي الشريف، إذ تولى عملية الإشراف الكامل على تنفيذ خطة تطهيره من الفئة الباغية عام 1400ه كما توالت نجاحاته الأمنية الاستباقية كقائد أمني أول في إجهاض أية عمليات إجرامية كانت تستهدف أمن وسلامة حجاج بيت الله الحرام واستطاع بحسن إدارته وقيادته لمواسم الحج وعلى مدى أكثر من أربعة عقود أن يحقق - بعد توفيق الله عزَّ وجلَّ ثم حسن قيادته لأمن الحج- النجاحات المترادفة موسماً بعد موسم ولمدة أربعين عاماً، إذ بذل من الوقت والجهد والفكر والرؤية والمتابعة المباشرة دفة التطوير عاماً بعد عام والكل يشهد على ذلك النجاح المطرد، ثم حقق امتيازاً في برهنة العمل المعالج لظاهرة الإرهاب، وكان سموه أكثر ضبطاً وحزماً وعملاً في تجفيف منابعه ومن الجذر، بمعالجة الفكر بالفكر وبلورة مبدأ «المناصحة» ومن القلب المشفق الرحيم على أبناء الوطن مما كان له كبير الأثر في إعادتهم إلى جادة الصواب، وكان الأمير نايف بن عبد العزيز راسخ العلم بمنظومة «الأمن» ووضع قواعده وترسيتها التي بدأها الملك المؤسس، بيد أنه انفرد بميزة خاصة اشتهر بها وهي قربه من المواطن وكثرة الاستماع إليه، فهو يصغي أكثر مما يتكلم ويطرق غاية الاهتمام للمتحدث إليه دون أن يقاطعه، ثم تجد منه التفهم الكامل للمظلمة أو الشكاية، حيث تجد منه الإجراء اللازم السريع، والأمير نايف هو دائماً من يضع النقاط فوق الحروف ويتكلم مرتجلاً ولا تكادتجد في كلمته أو تصريحه إلا بياناً وكلمة عقل راجح بعبارة سلسلة واضحة وصادقة، ولقد حمّل نفسه فوق طاقتها في التفاني والإخلاص في العمل وبقي على العهد في عهود خمسة ملوك وهم: سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله- وكان نعم العامل القوي الأمين على مصلحة الوطن وأمنه.. والمواطن واستقراره وهو من نخبة النخبة لصوت العقل والحكمة والعمل بصمت. إن اسم نايف بن عبد العزيز يمثِّل الحقيقة الكبرى لرجل الدولة المسؤول والواعي الحصيف والذي ترك بموته فراغاً كبيراً في جدار المركز الإداري المؤسسي الحاكمي لإدارة الأمن الداخلي والخارجي معاً، إذ إن أقل مظاهر العبقرية الأمنية التي أظهرها تعد نقطة ارتكاز متحول ومتجدد في رسم (الهيبة) المتجلجلة بكل حزم وعزم وتسامح، ويمضي الأمير نايف إلى جوار ربه وقد استكمل البناء أسسه، ووضع قواعده على نهج واضح يعمق بناء الأمن الذي نعيشه ونستنشقه في كل ذرة من ذرات هذا الوطن المترامي الأطراف. رحم الله رجل الأمن الأول.. فقيد الأمة والوطن.. ذلك الركن الرئيس من أركان الدولة السعودية.. آمين.