ملخص تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على بعض جوانب تطور التعليم العالي في المملكة العربية السعودية, فتشمل تقديما لبعض إحصاءات النمو والتوسع في مؤسسات التعليم العالي مثل إعداد الجامعات والكليات وتنوعها وانتشارها في مناطق المملكة, ونسب الالتحاق الإجمالية حسب الجنس مع بعض المقارنات الدولية. بالإضافة إلى ذلك, تتناول الورقة بعض مؤشرات النمو في البحث العلمي مثل طلاب الدراسات العليا, الإنفاق على البحث العلمي, الإنتاجية البحثية, إنشاء مراكز التميز البحثي وبرنامج كراسي البحث العلمي. مقدمة تشهد المملكة العربية السعودية قفزة هائلة في التعليم العالي, فقد حرصت على الاستثمار بسخاء في شبابها بتهيئة أسباب تعليمه العالي وفق أعلى معايير الجودة. إن المتأمل لمسيرة وإحصاءات التعليم العالي يلمس التطور الكمي والنوعي الذي تعيشه المملكة. فبالرغم من التأخر التاريخي للتعليم العالي في المملكة العربية السعودية بشكل عام, إلا أنه شهد قفزات هائلة خلال العقدين الماضيين ,حيث تنامى إنشاء الكليات والجامعات في مناطق ومحافظات كثيرة, واحتلت الجامعات السعودية مكانة مرموقة على الخريطة الدولية. تستعرض هذه الورقة أبرز ملامح التطور في التعليم العالي السعودي من خلال تناول محورين رئيسيين هما أولاً: نمو الجامعات وتنوعها, وثانياً: البحث العلمي في التعليم العالي السعودي. تهدف هذه الورقة إلى تقديم بعض المؤشرات, ورصد بعض التوجهات في مسيرة الجامعات السعودية, ولا تتعدى كونها وصفا تاريخيا لحقائق و أرقام في التعليم العالي ليكون للأرقام معنى مختلف. أولاً: نمو الجامعات وتنوعها من أبرز ملامح التطور في التعليم العالي السعودي, التوسع في الجامعات والكليات الحكومية والأهلية, حيث شهدت المملكة حراكا في إنشاء جامعات جديدة وتوسعة القائم منها واستحداث برامج وتخصصات مختلفة. إن هذا الحراك جاء استجابة للدراسات التقويمية لواقع التعليم العالي واعتماد وزارة التعليم العالي في إستراتيجيتها على بعدين مهمين, البعد الأول تحقيق الانتشار على مستوى مناطق المملكة ومحافظاتها وتوسيع فرص القبول والاستيعاب, والبعد الآخر مناسبة التخصصات لخطط التنمية الوطنية وتلبية سوق العمل. لقد حدثت زيادة مطردة في عدد الجامعات خلال الفترة 1425-1431 ففي عام 1425 كان إجمالي عدد الجامعات 15 جامعة, منها 11 حكومية و4 أهلية. ووصل عددها في العام 1432 إلى 32 جامعة, منها 24 جامعة حكومية و8 جامعات أهلية. ويتضح أن النمو المتحقق في الجامعات الحكومية يفوق النمو المتحقق في الجامعات الأهلية. وكما هو حال الجامعات, توجد زيادة مطردة في عدد الكليات خلال الفترة 1425-1431, فقد وصل عددها في العام 1431 إلى 395 كلية حكومية، و39 كلية أهلية. وقد تجاوزت نسب النمو في عدد الكليات الأهلية نمو الكليات الحكومية. ويأتي هذا النمو في معدل نمو مؤسسات التعليم العالي ليفوق معدل النمو السكاني بأكثر من خمسة أضعاف. حيث يبين الجدول 1 مؤشر عدد الجامعات لكل مليون من السكان فقد ارتفعت قيمة المؤشر من 0.7 إلى 1.2 جامعة لكل مليون نسمة. إن من أبرز نتائج التوسع في عدد الجامعات والكليات, التزايد في نسبة الالتحاق الإجمالية في التعليم العالي, ففي عام 1427 بلغت نسبة الالتحاق بالتعليم العالي 30.2 % من إجمالي السكان في عمر الالتحاق بالتعليم العالي. وفي عام 1431 ارتفعت نسبة الالتحاق لتصبح 37.8 %. لقد صاحب التوسع الكمي انتشار التعليم العالي في مناطق المملكة ومحافظاتها وتيسير فرص التعليم العالي لجميع الطلاب في مناطقهم وذلك تمشيا مع الخطط التنموية. ويتبين من الجدول 2 أن نسب الالتحاق هذه تتفوق على مجموعة الدول العربية 21% والمتوسط العالمي 26%. ولإيمان المملكة بأن تنمية الموارد البشرية عنصر رئيس في مسيرة التقدم, فقد حرصت خطط التنمية على إتاحة دور مهم وفاعل للمرأة في صناعة التنمية من خلال زيادة مشاركتها بالتعليم العالي. حيث قفزت نسبة مشاركة المرأة في التعليم العالي لتزيد عن نسبة مشاركة الرجل فنجد أن دليل تكافؤ الجنس في المملكة هو 1.11, وهو أعلى من مجموعة الدول العربية البالغ 0.97 والمتوسط العالمي الذي يبلغ 1.08. ويعبر دليل تكافؤ الجنس عن تحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين في التعليم. كما أشار تقرير مؤشر الفجوة بين الجنسين لعام 2009م, والذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع جامعتي هارفرد وكالبفورنيا, إلى حصول المملكة على المرتبة 25 عالميا, من حيث النسبة بين الجنسين في التعليم الجامعي, فحصلت على نسبة 1.50 متقدمة بذلك على عدد من الدول المتقدمة مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وسويسرا واليابان, كما يوضح الشكل 1. هذا وتتنوع البرامج والتخصصات في الجامعات السعودية حيث توفر الجامعات 3.519 من البرامج الأكاديمية لكلا الجنسين, وذلك وفقا لتصنيف اسكد 1997. ويشكل مستوى البكالوريوس ما نسبته 61.9 من إجمالي البرامج التي تطرحها الجامعات. كما أن أكثر من ربع البرامج خصص للدراسات العليا, فيوجد 325 برنامجا في مستوى الدكتوراه و587 برنامجا للماجستير. ونتيجة للتوسع الكبير في مؤسسات التعليم العالي, وفي ظل التوجهات العالمية التي تدعو إلى الجودة, والاعتماد الأكاديمي للجامعات,تم إنشاء «الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي» وهي هيئة وطنية مستقلة عن الجامعات ووزارة التعليم العالي, من أجل متابعة وتقويم أداء مؤسسات التعليم العالي لضمان التزامها بالمعايير العلمية. ولم يقتصر التعليم العالي للطلاب على الجامعات داخل المملكة, فقد وفر برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي فرصا للطلاب والطالبات لمواصلة دراستهم في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والزمالة الطبية في الجامعات العالمية. ويعد هذا البرنامج الأضخم في تاريخ الابتعاث، ويسعى إلى تأهيل الشباب السعودي للقيام بدوره في التنمية في مختلف المجالات في القطاعين العام والخاص. ويبين الجدول 4 التدفق الدولي لطلاب التعليم العالي عبر الحدود, ويلاحظ أن المملكة ترسل للدراسة في الخارج 119.592 طالبا وطالبة ونستقبل نحو 26.871 طالبا وطالبة في مؤسسات التعليم العالي. ثانياً: البحث العلمي في التعليم العالي السعودي يلعب البحث العلمي دورا أساسيا في عصرنا الحاضر باعتباره وسيلة لتطوير المعرفة والابتكار, لذا تسعى الجامعات إلى تنشيط حركة البحث العلمي وإجراء البحوث المبتكرة, باعتباره أحد الوظائف الرئيسة للجامعات. إن الاختلاف بين التعليم العام والتعليم العالي ليس فقط بعمر الطلاب ومستواهم بل بإنتاح المعرف الجديدة والرفع من قيمتها في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع, وإلا أصبح تعليم خدماتي. ولأن هدف هذه الورقة بشكل أساس هو إعطاء نبذة عن البحث العلمي في التعليم السعودي, أصبح من الضروري التعريف ببعض ملامح نمو البحث العلمي وعرض بعض مؤشرات النجاح, مع التأكيد على أن هناك الكثير من الإنجازات التي يصعب حصرها في مساحة موجزة. وفيما يلي استعراض لأبرز المؤشرات: 1- نمو عدد الطلاب في الماجستير والدكتوراه تزايدت أعداد الطلاب في مستويي الماجستير والدكتوراه. فقد ارتفع عدد الطلاب في مستوى الماجستير من 9.768 في سنه 1427 ليصل في سنة 1431 إلى 19.592. كذلك ارتفع عدد الطلاب في مستوى الدكتوراه من 2.410 في سنه 1427 ليصل إلى 2.565 في عام 1431. 2- الإنفاق على البحث العلمي أولت الدولة البحث العلمي عناية خاصة بوصفه بوابة الانتقال إلى مجتمع المعرفة. فقد بلغ مجموع ما خصص للإنفاق على البحث العلمي مبلغ 12250.152 مليون ريال من الموازنة العامة للدولة للعام المالي 1430/1431 التي بلغت 540.000 مليون ريال. أي أن نسبة 3.242 % خصصت للإنفاق على البحث العلمي من موازنة الدولة. ولا يقتصر الإنفاق على القطاع الحكومي فقد أنفق ما قيمته 5256.45 من القطاع الخاص والتبرعات وكراسي البحث العلمي والجوائز والمنح البحثية. 3- نمو الإنتاج البحثي للمملكة خطت الجامعات السعودية خطوات ملموسة في مجال البحث العلمي, فقد ارتفع عدد البحوث في المملكة حسب تصنيف الدوريات المحكمة اي. اس.اي) من 1.758 في سنه 1427 ليصل إلى 3.047 بحثا في سنة 1431 بنسبة نمو كلية وصلت إلى 73.3 %. ويبين الجدول 5 أن مجموع البحوث في المجالات البحثية حسب تصنيف اي اس اي بلغ 12.014 بحثا خلال الفترة 1427- 1431. وتركزت في أربعة مجالات رئيسة: الطب السريري, والهندسة, والكيمياء، والفيزياء. 4) إنشاء مراكز التميز البحثي تبنت وزارة التعليم العالي مشروع مراكز التميز البحثي في الجامعات, وذلك بهدف تميز الجامعات في مجالات محددة من مجالات البحث العلمي. عملت الوزارة في هذا المشروع على دعم توجهات بحثية في مجالات متعددة وإبراز نقاط القوة وبلورتها في مراكز بحثية لتتبوأ مراكز الصدارة على المستوى الوطني والإقليمي. وتضم الجامعات حاليا أربعة عشر مركزا للتميز البحثي وهي كما يلي: 1- مركز التميز البحثي في المواد الهندسية/ جامعة الملك سعود 2- مركز التميز البحثي في الجينوم الطبي / جامعة الملك عبدالعزيز 3- مركز التميز البحثي في تكرير البترول والبتروكيماويات/ جامعة الملك فهد للبترول والمعادن 4- مركز التميز البحثي في النخيل والتمور/جامعة الملك فيصل 5- مركز التميز البحثي في التقنية الحيوية/ جامعة الملك سعود 6- مركز التميز البحثي في الدراسات البيئية/جامعة الملك عبدالعزيز 7- مركز التميز البحثي في الطاقة المتجددة/ جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. 8- مركز التميز البحثي في الحج والعمرة /جامعة أم القرى. 9- مركز التميز البحثي في تطوير تعليم العلوم والرياضيات/ جامعة الملك سعود. 10- مركز التميز هشاشة العظام/جامعة الملك عبدالعزيز. 11- مركز التميز البحثي في تقنية تحلية المياه/جامعة الملك عبدالعزيز 12- مركز التميز البحثي في التاكل/ جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. 13- مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 14- مركز التميز في أمن المعلومات/ جامعة الملك سعود. 5) برنامج كراسي البحث العلمي برز مؤخرا الاهتمام بتأسيس ونشر ثقافة كراسي البحث العلمي في الجامعات. فعلى سبيل المثال بلغ عدد كراسي البحث في جامعة الملك سعود أكثر من 113 كرسي بحثي, ويوجد 24 كرسي للبحث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن, كما يوجد أكثر من 19 كرسي بحث في جامعة الملك عبدالعزيز, وأما جامعة الإمام فيوجد بها 17 كرسي بحث. ويوجد كرسي بحث واحد في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن. بالإضافة إلى ما سبق, عنيت الجامعات بإنشاء حاضنات التقنية مثل وادي الرياض للتقنية و وادي الظهران للتقنية, وذلك من أجل الإسهام الفاعل في تطوير اقتصاد المعرفة عبر الشراكات بين مؤسسات التعليم العالي و مجتمع الأعمال من خلال الاستثمار في المشاريع المشتركة لصقل الخبرات والتطبيق العملي لأساتذة الجامعة وطلابها. كما تم إنشاء برامج ومراكز بحثية تهتم بتقنية النانو. كذلك عملت الجامعات على عقد اتفاقيات وشراكات مع عدد من الجامعات ومراكز البحث المحلية والعالمية في فرنسا وأمريكا وبريطانيا والهند والصين وألمانيا والسويد وسنغافورة. كما تحرص الجامعات على استقطاب أساتذة متميزين لتجويد البحث العلمي والإشراف على طلاب الدراسات العليا, فعلى سبيل المثال تم التعاقد مع 14 عالما من الفائزين بجائزة نوبل في جامعة الملك سعود. ونظرا للدور الريادي الذي تقوم به الجمعيات العلمية في تطوير الأداء العلمي والمهني, تحتضن الجامعات السعودية 123 جمعية علمية. تمكنت المملكة بفضل هذه الإنجازات أن تتبوأ مكانة مرموقة على الخريطة الدولية, فقد نالت المرتبة السابعة دوليا في مجال التعليم العالي, اعتمادا على كثير من العوامل من أهمها الإنفاق الحكومي, وذلك حسب تقرير مجلة الاكونومست البريطانية, في عام 2007. إلى جانب ذلك, احتلت المملكة المرتبة الرابعة بين أفضل عشر دول من ضمن 57 دولة في العالم الإسلامي من ناحية الإنتاج العلمي والتقني وفقا للجنة الوزارية للتعاون العلمي التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي The Standing Committee on Scientific and Technological Cooperation-COMSTECH-of the57-Country, Organization of the Islamic Conference-OIC ووفقا لترتيب كيوإس للجامعات العالمية لعامي 2009 و 2010 جاءت جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ضمن أفضل 300 جامعة. كما جاءت جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبدالعزيز ضمن أفضل 300 جامعة, وفقا لتصنيف ويبوميتركس للجامعات العالمية لعام2010 وأيضا وفقا لتصنيف شنغهاي الصيني لعام 2010جاءت جامعة الملك سعود لتكون ضمن أفضل 400جامعة, أما جامعة الملك فهد للبترول والمعادن فقد جاءت ضمن أفضل 500 جامعة. واحتلت جامعة الملك سعود مرتبة متقدمة هي المرتبة 222 وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن احتلت المرتبة 225 وفقا للتصنيف الأمريكي (US News الجزيرةWorld Report) ختاما, آمل أن تسهم هذه الورقة في تقديم صورة حية للتعليم العالي السعودي بما يعكس النقلة النوعية التي تشهدها مؤسسات التعليم العالي. إن المملكة في الوقت الراهن, في سبيلها إلى تطبيق إستراتيجية التحول إلى بلد معرفي منتج، وبناء صناعات قائمة على المعرفة لتلبية متطلبات التنافسية الاقتصادية, والمتطلبات الاقتصادية الاجتماعية للبلاد, لذا أصبح لزاما الاستمرار في تجويد العملية العلمية والتعليمية لتقديم مخرجات تسهم في خدمة المجتمع والتنمية الاقتصادية وجعل التعليم العالي في المملكة منافسا للدول الأخرى. إن الطموح غير محدود للعمل المستمر على التفوق والريادة للتعليم العالي السعودي.