رغم اليقين بأنه ليس للمرء وقت المصاب بد من الصبر الجميل، والتسليم لقضاء الله وقدره، إلا أنّ خلجات الضمير الحزينة المحزنة تفرض ذاتها، لا سيما في فقد الكبار الذين هم دعائم لبلادهم تأوي إليهم، وتعتمد بعد الله عليهم. إن في الوطن جرحًا مؤلمًا بفقد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -تغمده الله بواسع رحمته- وإنه مصاب جلل، لا يملك المرء أمامه إلا الإذعان والانقياد لقضاء الله المحتوم، إيمانًا وتسليمًا وصبرًا.. لقد رُزيء الوطن بأسره بفقدانه ركنًا من أركانه، وصرحًا من صروحه، وسياجًا منيعًا دون ثراه الطاهر، وبفقده فقدت البلاد واحدًا من رجالاتها المخلصين، إيمانًا وعروبة ووطنًا وبرًا وإحسانًا. إن آثار هذا الحصن المنيع ظاهرة في الذود عن حماه، والوقوف بعزيمة دون ثراه، استأصل شأفة الضلال، وأقام حدود الإسلام، وأسهم في أمن الوطن والمواطن ورغد العيش، ولا تزال الشواهد شاخصة بفضائل فقيد الوطن والأمة، ظاهرة في أمن الوطن، وسلامة المواطنين، وراحة حجاج بيت الله الحرام، وزوار البقاع الطاهرة، كلها شاهدة له شهيدة له، وكفى بالله شهيدًا. فأحرّ عزائنا لمليكنا وقائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- وصادق مواساتنا لذوي الفقيد وكافة أفراد الأسرة المالكة الكريمة، وللوطن والأمة الإسلامية جمعاء، ويقيننا بأنه إن كان كَلْمُنا بفقده مؤلمًا، فإن أياديه الوثيقة بالله، والمخلصة للدين والوطن والأمة باقية خالدة قوية كما كانت، وإن رحل -رحمه الله- فإنه باقٍ بيننا بأعماله الخيّرة، وسيرته الحميدة، وغيرته على مقدرات دينه ووطنه وأمته والتي لازمته كملازمة حبه للخير والبر والإحسان، من خلال أعمال البر التي قدمها خدمة للدين القويم والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وحجاج بيت الله الحرام، وزوار المشاعر المقدسة، وإن عزاءنا في فراقه سلواننا بأن وراءه إخوانه وأبناءهم الذين يسيرون وفق منهج قويم، وفقهم الله أجمعين، ورحم الله حصن البلاد المنيع، وادّخر ما بذله طول حياته من إخلاص منقطع النظير مزيد رفعة في الدرجات، وقربة عند رب الأرض والسموات، وجعل ما كرّسه من نفسه وعمره وقفًا لبلاده وأمته نعيمًا في جنات ونَهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، عند مليك أرحم به من الموتورين بفقده، المكلومين برحيله، فإن لله تسليمنا، وله صبرنا، وإليه صادق دعائنا، {ِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. د.عبدالله بن محمد الراشد - مدير جامعة الملك خالد