جاء الخبر المؤلم مفاجئاً للجميع رغم علمنا أنه كان مسافراً في رحلة علاجية وطمأنونا عليه وتابعنا عن بعد مواصلته نشاطه وهو بعيد في جنيف. لله في مشيئته وخياراته وتوقيتها حكمة لا ندركها.. وسرعان ما طارت أنباء الحزن إلى كل الأصقاع. اختار الله لجواره سمو الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد ووزير الداخلية. إنا لله وإنا إليه راجعون.. كل نفس ذائقة الموت فهو حق على كل مخلوق.. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. عظم الله أجر ذويه ومواطنيه والعرب والمسلمين فقد كان درعاً للأمن سيفتقده العالم كله. تعازي الشخصية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ولسمو الأمير سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع، ولإخوة وأخوات الفقيد، ولأبنائه وبناته وعلى رأسهم الأمير محمد بن نايف والأميرة جواهر بنت نايف الصديقة الغالية قرينة أمير الشرقية سمو الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز, ولكل أفراد العائلة الكريمة والمواطنين. كل نفس ذائقة الموت بمشيئة ربها. وللموت دائماً تأثير فاجع يستوقفنا لنفكر في معنى الحياة والهدف من الوجود فيها إلى آن غير معلوم ثم يسترد الله وديعته ويبقى للباقين مذاق الحزن والافتقاد. ولبعض الفقد مذاق آخر أكبر من مجرد الحزن الاعتيادي.. مذاق مر يمتزج فيه الحزن على الغائب بالتوجس على موقع المستقبل والأمن في حياة الباقين. الكل يعرفه عن بعد كوزير الداخلية الحازم الصارم وقلة يعرفونه عن قرب إنسانا يعيش كل انفعالات الإنسان وجدانيا وروحيا وعاطفيا؛ في آخر رحلة دعتني فيها سمو الأميرة جواهر بنت نايف لمرافقتها إلى الرياض لحضور مناسبة خاصة؛ وترافقنا في السفر جواً قالت تذكره بحنو هائل: أول ما سأفعل أن أمر لأسلم على الوالد وأطمئنه على عالمي الحميم. هكذا كان الرجل المشغول بأوضاع البلاد متواصلا أيضا مع أوضاع القريبين منه. وله عند القريبين والبعيدين هيبة واحترام. الحياة تستمر؛ ويحمل الخلف مسؤولية مواصلة ما ابتدأ به السلف.. أعان الله من سيخلفه أن يقوى مثله على حمل ثقل المسؤولية المتشعبة والقيام بها. عقود من الزمن تشهد له بالنجاح في استتباب الأمن.. ظل خلالها الرجل الهادئ والدرع المتين الناجع في التصدي لكل محاولات ضرب الأمن محليا أو عالميا أو قلقلة الأوضاع من أي جهة. لقد قام -رحمه الله- بدوره في ترسيخ الأمن بالسعودية خير قيام كوزير للداخلية منذ شبابه الأول وامتدت ظلال حكمة قراره لتشمل مناطق الجوار القريب والبعيد. وقد برزت حنكته بوضوح في التعامل مع الخارجين عن القانون والمهددين للأمن منذ حادثة الحرم في نهاية السبعينيات حتى تصاعد الأحداث بين الثمانينيات وتنامي الإرهاب في التسعينيات وتفجر انحرافاته في القرن الجديد. اللهم احفظ لهذه البلاد رجال أمنها, ويسر لها من يحمي استقرارها, واحمها من أطماع أي متربص في الداخل أو الخارج.