ما قصة المحامي الذي لا يفتقر للخبرة البنكية العريضة والذي وجد نفسه بالصدفة «مديراً تنفيذياً» مكلفاً لبنك إسلامي يبتعد درجتين فقط عن التصنيف المتعثر. قصة السيد «تيد بريتي» قد لا تحصل في أي مكان في العالم باستثناء منطقة الخليج.. فهو محامٍ لا يملك شهادة في الاقتصاد والمصرفية، وانتهى به الأمر ليصبح وبلمح البصر رئيساً تنفيذياً ل «بيت التمويل الخليجي» بعد استقالة أحد التنفيذيين العرب في أسباب غامضة، مع العلم أن البنك يمر بمرحلة حرجة جداً.. ولكن ماذا يقول أهل الاختصاص من المحامين والأكاديميين حول ذلك؟. يقول البرفسور جون بورد مدير مركز ICMA للدراسات المالية في جامعة ريدينجز هينلي البريطانية: في العادة ليس من المستغرب بالنسبة للذين يشغلون منصب كبير الإداريين التنفيذيين ألا يكونوا قد تلقوا تدريباً على الأمور المالية.. ولست أشعر بمفاجأة تامة لأن أحد المحامين هو الذي تولى المنصب. ويتضح من السيرة الذاتية لبريتي أنه تخرّج عام 1980 متخصصاً في القانون.. وعمل خلال ال30 سنة الماضية في قطاع المحاماة والاتصالات في أستراليا.. واتضح للجزيرة أن خبراته البنكية تصل إلى أربع سنوات وشهر واحد وذلك خلال عمله كتنفيذي لبنك ماكوري الأسترالي.. وعاد اسم «بريتي» للأضواء مؤخراً بعد أن أعلن بيت التمويل مؤخراً عن تعيين هشام الريس كرئيس تنفيذي مكلف ليحل محل «بريتي» الذي «هجر» البنك الإسلامي في السنة الماضية بطريقة خافتة.. ويعود سبب مغادرته البنك بسبب فشله في تحفيز إيرادات جديدة للبنك, وفقاً لرويترز. وتظهر جولة الجزيرة على الإعلام الإسترالي أن سيرة «بريتي» في قطاع الاتصالات الأسترالي ليست مشرقة على الإطلاق، بل إن هذا القطاع جعله في نهاية المطاف يتقاعد لفترة لتصل لحوالي السنة.. فوفقاً لصحيفة ذا أوستريليَن فإن بريتي كان الساعد الأيمن لزيجي سويتكوفسكي (كبير الإداريين التنفيذيين السابق في شركة الاتصالات تلسترا)، حيث تولى أدواراً رئيسة في ثلاث من أبرز حالات الإخفاق المالي التي مُنيت بها الشركة، بما في ذلك المشروع المشترك بقيمة 3.5 مليار دولار مع شركة «بي سي سي دبليو» من هونج كونج (وهو مشروع تم التخلي عنه). وفي ذروة الفترة الانتقالية في طفرة «الدوت كوم» في عام 1999، توظف سويتكوفسكي للعمل في منصب كبير الإداريين التنفيذيين لشركة تلسترا، وعلى الفور قام بتعيين بريتي ليكون على قمة وحدة الأعمال الجديدة في مجال الدوت كوم. ووفقاً للصحيفة نفسها، فقد أشرف «بريتي» على الاستثمارات الفاشلة للشركة في الشركات التي كانت في ذلك الحين تحتل عناوين الأخبار مثل شركة سوسيج سوفتوير وشركة المحاسبة سوليوشن.. هذان المشروعان الفاشلان كلفا تلسترا 135 مليون دولار. في عام 2005، تولى سول تروجيلو مقاليد شركة تليسترا.. وكان المحامي «بريتي» الضحية رقم واحد للرئيس الجديد لشركة الاتصالات.. وبعدها بسنوات عمل للأحد البنوك الأسترالية ليلتقي هناك بأحمد فاهور الذي جلبه معه للعمل لدى بيت التمويل الخليجي. ويصف روبرت مايكل، مؤسس شركة Robert E. Michael الجزيرة Associates للمحاماة, يصف فترة الإقالة أو الاستقالة التي مر بها بريتي لدى شركة الاتصالات قبل أن ينتهي به المطاف مع البنك الإسلامي البحريني بأنها «الإخفاق نحو الأعلى.» يُفسر المحامي الأمريكي هذه العبارة بقوله: «من الناحية الأساسية، المقصود بتعبير «الإخفاق نحو الأعلى» هو أن يُفصَل الشخص من وظيفة معينة (أو تُسحَب وظيفته منه بسبب إفلاس الشركة) ثم يتم توظيفه بعد ذلك للعمل في وظيفة أفضل من السابقة.. هؤلاء الأشخاص يحصلون على وظائف أفضل من ذي قبل على الرغم من أنهم خلفوا كوارث في أعقابهم». ففاهور, اللبناني الأصل والأسترالي الجنسية, تم إحضاره من مصرف «ناشيونال بنك أوف أستراليا» وكان يشغل هناك الرئيس التنفيذي للعمليات لمنطقة أستراليا.. وعُرف عن هذا العربي مقدرته على قيادة شركات الاستثمار، حيث شارك في تأسيس الشركة الأسترالية للاستثمار، وهي شركة مشتركة تم تأسيسها بين الحكومة الأسترالية وبنوك أسترالية. ولا تبرر التعليقات المتفائلة بمقدرات البنك الرحيل المفاجئ لفاهور.. حيث وصف فاهور البنك خلال الأيام الأولى من توليه منصبه بأنه يتمتع «بسمعة ممتازة في إيجاد الفرص الاستثثمارية المجدية والمتميزة» قبل أن يختتم البنك تلك السنة بأكبر خسارة في تاريخه. وبعد الرحيل المُفاجىء للمصرفي العربي، تقلَّد بريتي، وخلال ساعات بسيطة، منصب فاهور.. وتعهد بريتي بتنفيذ برنامج نشط من بيع الموجودات لتحسين أوضاع الشركة وضمان بقائها على قيد الحياة. حيث أعد بريتي مخططاً لخطة نشطة لبيع الموجودات وتقليص التكاليف والتحول إلى نشاطات عملية جديدة. لكن الوضع الحساس للسيولة في الشركة أثار موجة عامة من إعادة التفكير في أنموذجها العملي.. حيث نجح بيت التمويل في تقليص النفقات بنسبة تتراوح بين 40 إلى 45 بالمائة، وبسبب بريتي، قام البنك بإنهاء خدمات حوالي أكثر 100 موظف، ودمج المساحات المكتبية في طوابقه التسعة في ميناء البحرين المالي، وألغى علاوات السنة الماضية. وقال بريتي في حينها لمجلة مييد: «جميع العيون الآن على بيت التمويل الخليجي. إذا لم يتمكن البنك من تحسين أوضاعه فإن ذلك سيكون ضربة هائلة للبحرين ولسمعة القطاع المالي البحريني». وكان بريتي يأمل أنه من خلال «تجرُّع الدواء المر» الذي وصفه للبنك فإن بيت التمويل الخليجي سينتفع من كونه البنك الأول بين كثير من البنوك التي سيتعيّن عليها اجتياز فترة صعبة من إجراءات إعادة الهيكلة.. وأضاف بريتي قبل أن يستقيل من منصبه: «نحن نتخذ الآن قرارات صعبة، قرارات تثير الاستياء لدى الناس.. نحن من بين البنوك الخليجية الأولى التي تقوم بذلك ونتعرض للانتقادات بسبب ذلك.. لكن أتوقع أن مركز الاهتمام سينتقل إلى بعض من البنوك المشابهة لنا، وستقع بنوك أخرى تحت مركز الأضواء والتمحيص، وسيتساءل الناس عن السبب في عدم اتخاذهم خطوات قوية فيما يتعلق بميزانياتها العمومية». وبالفعل أصابت توقعات ذلك الأسترالي عندما سُلطت الأضواء مؤخراً على بنك «أركبيتا» الإسلامي الذي تقدم بطلب الحماية من الإفلاس.