مشكلة الفقر والبطالة وتوظيف الموارد البشرية من بين أبرز المشكلات التي تواجه الدول والمجتمعات والأسر، ونتيجة لذلك تضع الدول خططاً خمسية وإستراتيجية لمكافحة الفقر والبطالة وأحياناً لا تنجح هذه الخطط في تحقيق أهدافها، لكن وعند النظر إلى التاريخ الاقتصادي لمعالجات الفقر والبطالة تبرز التجربة الإسلامية في الزكاة والوقف لتكون معلما بارزا في القضاء على هاتين المشكلتين. ولو أتيح للبعض القدرة على استقراء التاريخ لاكتشف أن الحلول موجودة وممكنة لا بل ولها مردود اقتصادي واجتماعي وأمني. ما دعاني للحديث عن الزكاة هو استضافة الرياض للاجتماع التاسع لرؤساء أجهزة الزكاة بدول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة القضايا والموضوعات المتعلقة بشأن الزكاة، وتعزيز مفهوم التكافل المجتمعي والتوعية بفريضة الزكاة، وتفعيل دورها الاستثماري في تنمية المجتمع والقضاء على الفقر والتركيز على مواضيع عدة من أبرزها خطط التدريب المشتركة للعاملين فيها، والمشاريع المنفذة وتوظيف تقنية المعلومات في إعمالها، وتفعيل وسائل الإعلام لتوعية المواطنين بأهمية أداء الزكاة وتخصيص يوم إعلامي لها بدول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من البيانات والمعلومات الشحيحة المنشورة عن الزكاة خلال المؤتمر، فإن للزكاة أثراً واضحاً في توزيع الدخل والثروة، ومحاربة البطالة، كما ولها تأثير دائم نحو الحد من الركود الاقتصادي وتشغيل رأس المال واستثماره، لذا يفترض أن تساهم في جميع مجالات الفقر بدعم المشروعات والصناعات الصغيرة والتعليم والصحة وتوفير الدواء، وإدخال الأسر الفقيرة تحت مظلة التأمين الصحي، ودعم المشروعات الزراعية واستصلاح الأراضي، وتوفير التجهيزات الزراعية ودعم الإغاثة في ظروف الحرب والكوارث الطبيعية التي لا سمح الله قد تحل بالبلاد. وعليه تعد الزكاة وسيلة فعالة للقضاء على الفقر والبطالة، حيث يتكرر دفعها كل عام لمن يستحقها ولها أثرها المهم في علاج الانكماش الاقتصادي، وأثبتت التجارب أن أنجح أساليب معالجة البطالة والفقر هو تأهيل العاطلين عن العمل بتمكينهم من القيام بمشاريعهم الصغيرة، فالإسلام قد حث على عمل الفرد إلى جانب تسديد حاجته لييسر له الحياة الكريمة، ويجعله في وضع معيشي أفضل، كما وأن للزكاة تأثيراً على الاستهلاك، وعلى توزيع الدخل والثروة والاستثمار، ومنع الزكاة يؤدي إلى خلق مشكلات اقتصادية واجتماعية في المجتمع مثل السرقة والتسول والجريمة. ولوصول دول الخليج إلى النموذج المنشود من تطبيق نظام الزكاة، لا بد من تطوير مؤسسة الزكاة في كل دولة، وتأهيل الفقراء للمساهمة في العملية الإنتاجية لصالح استقرار المجتمع ونموه، لأن بعض المشاريع تتطلب تمويلاً ربما تعجز الحكومات عن تغطيته، مما يلزم البحث عن مصادر تمويل جديدة لتحريك الأسواق ومعالجة الركود الاقتصادي، وزيادة الاستثمار في الاقتصاد بدلا من تراكم الثروات بأيدي فئة قليلة من الأفراد، وهذا ما سوف يحقق عدالة اجتماعية، ويساعد على تدني الجريمة والمشاكل الاجتماعية، لأن أكثر هذه المشاكل بسبب الحاجة والفقر والبطالة. أخيرا فالزكاة تعد من أفضل الطرق التي تحول المجتمع من مجتمع خامل إلى مجتمع منتج اقتصادياً، وخال من البطالة والفقر، وهي إعلان حرب على الاكتناز وحبس الأموال التي تتسبب في الركود الاقتصادي، وهذا هو أهم أهداف الاقتصاد في الإسلام، ولذلك فإن الزكاة إذا استخدمت بهذه الطريقة سوف تكون أداة فاعلة في تطهير الأموال، وتوزيع الثروات والدخل على جميع طبقات المجتمع، وتقليل الفوارق بين الطبقات الغنية والفقيرة، وتساهم في تحريك عجلة الحياة الاقتصادية وإرساء العدل في المجتمعات الخليجية. [email protected] مستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية