يُعَدُّ كتاب (ما يُعوّلُ عليه في المضاف والمضاف إليه) للعلامة محمد الأمين المحبي (ت: 1111ه) موسوعةً معجميّةً في رصد الأمثلة التي حفلتْ بها اللغة العربية على المضاف والمضاف إليه؛ فكان من أهم كتب التراث في موضوعه؛ لاستيعابه أغلب ما ورد من المضافات في السنة النبوية والشعر والأمثال وأسماء الأعلام والمواضع والبلدان وغير ذلك. وقد حُقِّق هذا الكتاب في رسالة دكتوراه في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وطبع في مطابع جامعة الإمام عام 1431ه. تولى تحقيق القسم الأول منه من حرف الهمزة إلى نهاية حرف الدال الدكتور سعود بن عبد الله آل حسين رئيس قسم النحو والصرف بكلية اللغة العربية. كما تولى تحقيق القسم الثاني من الكتاب من بداية حرف الذال إلى نهاية الكتاب الدكتور عبد العزيز بن صالح العقيل الوكيل المساعد للإعلام الداخلي. وقد بذل المحققان جهداً مشكوراً في ضبط النصوص وتوثيق نقوله وتخريج ما ورد فيه من الأحاديث والآثار والأشعار والأمثال وغير ذلك. وحصل الكتاب على جائزة نادي الرياض الأدبي في (كتاب العام) لعام 2011م. وقد صدّر الدكتور سعود آل حسين الكتاب بدراسة عن حياة المؤلف وموضوع الكتاب ومادته ومصادره ومنهج المؤلف فيه وأدلة الاحتجاج وتقويم الكتاب ثم شرع في تحقيق القسم الذي يخصه. وواصل الدكتور عبد العزيز العقيل العمل في تحقيق القسم الثاني من الكتاب مصدّراً ذلك بمقدمة بيّن فيها سبب اختياره للعمل؛ وما واجهه من صعوبات فيه؛ مشيراً إلى دراسة زميله في القسم الأول منعاً للتكرار، ومبيناً النسخ الخطية التي اعتمدها ومنهجه في تحقيق الكتاب. ومن أهم أسباب اختياره عند الدكتور العقيل: 1- أنه أحد المعجمات اللفظية المتخصصة. 2- أنه اشتمل على عددٍ من النصوص والآراء لأعلامٍ وكتبٍ لا يزال بعضها مفقوداً. ولعلي أورد نماذج مما ورد في الكتاب وإشارات من عمل المحقِّقَين له. كان أول مثال أورده المحبي هو (إبداء الصفحة) وهو كناية عن تمكين الشخص غيره من الاطلاع على بعض ما يُلام عليه، وإن كان الدكتور سعود الحسين لم يبيّن ذلك مكتفياً بقول المؤلف: (أبدى له صفحته: إذا مكنه من نفسه) فلربما كان ذلك لوضوحه والعلم به انظر ص 123. وفي ص 203 من الأمثلة: (ابن عُسَيل) هكذا في المتن، وقال المحقق الدكتور سعود الحسين: “روي عَسيل، والصواب عِسْل”. قلتُ: هكذا اشتهر اسمه، وكان على المحقق أن يثبت اسمه في الأصل؛ لاحتمال التصحيف في المخطوطة. وفي (ص 282): (ويقال: أبو البيضاء: كنية الفرس أيضاً). قال المحقق الدكتور سعود: “لعلها مصحفة عن أبي المضاء، ولم أقف عليها” قلتُ: ما ذكره المحقق محتملٌ لاشتهار كنية الفرس بأبي المضاء، لكن ظاهر سياق الحرف يقتضي أبا البيضاء؛ فلعلها كنية أخرى من باب تعدد كنى الفرس. ومن المواضع التي تناولها الدكتور عبد العزيز العقيل بالتحقيق: (ذات أنواط) كما في ص 1670 وفيها ورد الحديث المشهور حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه: “اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط”. قال المحقق الدكتور العقيل: “الحديث في الترمذي كتاب الفتن 4-475 - 2180 وقال: هذا حديث حسن صحيح”. وقد أحسن وأوفى في التخريج بذكر مصدر الحديث بالكتاب والجزء والصفحة والرقم والحكم عليه، وهذا مهم جداًّ؛ لأن الحكم على الحديث بغية الطالب والقارئ. ولهذا تجده يورد أحكام العلماء على الأحاديث كما صنع أيضاً في ص 1868 عند حديث (رأس الحكمة مخافة الله) حيث قال: “أورد الحديث البيهقي في دلائل النبوة 5- 241 وضعفه الألباني في ضعيف الجامع 3066 “. وكما صنع عند حديث “الدَّيْنُ راية الله في الأرض يجعلها في عنق من أذله” (ص 1882) قال المحقق: “والحديث في مستدرك الحاكم 2-24 وقال: صحيح على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي وقال: في إسناده بشر بن عبيد، وهو واهٍ، ويُنظر الترغيب والترهيب” اه. وأيضاً نجد المحقق بذل جهداً في البحث في مصادر الحديث والسنة وحينما لم يجد ينبه على ذلك كما صنع في ص 2838 عند حديث (لا يقبل الله إلا نخائل القلوب) قال: “والحديث في النهاية، ولم أعثر عليه في مصادر الحديث التي اطلعت عليها” اه. فهذا جهدٌ في التقصي، وإن كان ربما فاته بعض الأشياء أيضاً فخرجها من كتبٍ بعيدة كحديث السبع الموبقات في ص 2568 فإنه قال: “الحديث في معجم الطبراني 17- 48” مع أنه في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. فربما لما اختلف ترتيبها في الحديث الذي أورده المؤلف اضطر المحقق للرجوع إلى معجم الطبراني وإن كان أصل الحديث في الصحيحين. وكذلك نجد المحقق الدكتور العقيل يشير إلى الآيات التي ورد فيها ذكر المضافات وإن لم يذكرها المؤلف، ومن أمثلة ذلك: (ذات البروج) في ص 1672 و(ذات الحبك) في ص 1677 و(ذات العماد) في ص 1697 و(كبائر الإثم) في ص 2568 و(يوم الجمع) في ص 2952 وغير ذلك فهذه المضافات كلها وردت في القرآن، ونجد المحقق يذكر الآيات التي وردت فيها ولم يذكرها المؤلف؛ فكان عملُ المحقق مكملاً لعمل المؤلف في الاستشهاد. والمحققان لاشك أنها قدما عملاً جليلاً يخدم التراث، وقد أهدى لي الدكتور عبد العزيز بن صالح العقيل وفقه الله نسخة من الكتاب محرّراً الإهداء بخطه فأشكره على ذلك. والكتاب صدر في ستة مجلدات، والسابع فهارس، وهو متسلسل الترقيم حيث بلغ عدد صفحاته 3687 صفحة، نفع الله به، والله ولي التوفيق.