الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي يُعطي الغطاء والحماية لسفّاح سوريا بشار الأسد لأن يقتل السوريين، ويذبح أطفالهم ونساءهم ويُهدِّم بيوتهم على رؤوس ساكنيها على مرأى من العالم وأمام أعين المراقبين، ويضع نفوذ روسيا وكل ما تملك من قوة ومكانة، ليس ليحميه ويدافع عنه في المحافل الدولية فحسب، وإنما يمده بالسلاح وكل آلات الذبح والقتل والتدمير لإكمال مهمته الشريرة والهمجية؛ وآخر هذه الإمدادات السفينة الروسية التي رست قبل خمسة أيام في ميناء طرطوس، مُحمّلة بكلِّ أنواع أدوات القتل والإبادة والتدمير. يستحيل إطلاقاً أن يستمر أي نظام في ظل الأعراف الدولية المرعية اليوم، وهو يمارس مثل هذه المجازر الوحشية الرهيبة، لو لم يكن مطمئناً أنّ هناك من سيحميه ويقف حائلاً بينه وبين التدخل الدولي لحماية المدنيين من الذبح. القذافي كان سيفعل الفعل نفسه لولا التدخل الدولي؛ فمن الذي أعطى العالم الحق لأن يتدخل في ليبيا ويحمي أهل ليبيا من ذلك الوحش، ويمنع العالم من أن يتدخل في سوريا ويكبح جماح وحشهم؟ .. هذه الجرائم البشعة لا يمكن لأي نظام أن يُقدم عليها، وهو يعلم أنّ المراقبين الدوليين على أرضه، وبإمكانهم رؤية ضحاياه رؤية العين. لذلك فهو على ما يبدو يعلم يقيناً أنه في منأى عن المساءلة والعقاب؛ أي أنّ هناك (ضوءاً أخضر) ضمنياً جاء من الكرملين لأن يفعل في شعبه ما يشاء، حتى وإنْ اضطر إلى هذه المجازر الرهيبة التي تجلّت في أبشع صورها في (مجزرة الحولة)، التي ستبقى على مرّ التاريخ وصمة عار في جبين الإنسانية التي ينتمي إليها هذا الإنسان (العار) بشار الأسد. لقد مللنا من الكتابة والمناشدة والشّجب والبكاء والنحيب؛ ونحن ننتقل من مجزرة إلى مجزرة طوال خمسة عشر شهراً من عمر هذه الانتفاضة؛ فهذا النظام لن يتراجع عن جرائمه ولن يوقف مجازره إلاّ بالقوة العسكرية. لقد جرّب العالم معه الحلول السياسية، والمبادرات السلمية، وآخرها مبادرة كوفي عنان، وباءت بالفشل الذريع؛ فالبنود الستة التي احتوتها المبادرة لم يلتزم النظام بأيٍّ بند منها؛ فلم يسحب الأسلحة الثقيلة والدبابات من المدن، ولم يخرج المعتقلين من السجون، ولم يسمح بالمظاهرات، ولم يصرّح لوسائل الإعلام الدولية بالدخول إلى سوريا ونقل الأحداث كما هي دون منع أو فلترة، ورغم كلِّ ذلك يغضّ النظر كوفي عنان وخلفه بان كيمون عن (تطنيش) النظام لبنود المبادرة. دعونا نجاري روسيا ورئيسها بوتين، ونُقر أنّ سوريا آخر ما تبقّى لروسيا في منطقة الشرق الأوسط من مناطق النفوذ، وأنّ التفريط بها تفريط بمصالح روسيا الاستراتيجية في المنطقة كما يردِّد المحلّلون الروس؛ طيّب لماذا لا تمسك روسيا العصا من المنتصف، وتقبل مبادرة على غرار المبادرة اليمنية، كما تقول مبادرة الرئيس أوباما المسرّبة مؤخراً؛ فيرحل بشار وذووه ويسلم السلطة إلى آخرين من نظامه ريثما يتم ترتيب انتخابات بإشراف دولي، ينتخب فيها الشعب من يريد، ويكون هذا الانتقال تحت إشراف روسيا نفسها؟ .. هذا الحل ربما هو (الآن) الحل الأمثل للأزمة؛ لكنه قد يكون حلاً متعذّراً إذا انفلتت الأمور من عقالها، وانتقلت سوريا إلى الحرب الأهلية؛ فالذي يجب أن يدركه بوتين أنّ بشار وزمرته ارتكبوا من الجرائم، وفي أعناقهم من دماء شعبهم، ما يجعل استمرارهم حُكاماً ضرباً من ضروب المستحيلات، حتى وإن اجتمعت معهم كل أمم الأرض وليس روسيا والصين فحسب. يقولون: من جَدّف ضد التيار فربما تسعفه عضلاته ونشاطه وربما الرياح فترة من الزمن فيبقي قاربه على السطح، لكن التيار سيجرفه هو وقاربه حتماً في النهاية مهما بلغت قوّته وعناده وإصراره. وهذا ما يجب أن يدركه بوتين وأركان حكمه. إلى اللقاء.