تتجه دول مجلس التعاون الخليجي إلى تطوير منظومتها التعاونية، والشراكة والتكامل بين أعضائها، بالانتقال إلى مرحلة أكثر إتحاداً ووحدةً. وقد تمَّ طرح هذا المشروع الاتحادي مبدئياً بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله- أثناء انعقاد القمة الثانية والثلاثين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2011م بمدينة الرياض. وشُكِّلت لجنة متخصصة من 18 عضواً، بمعدل 3 أعضاء من كل دولة من دول المجلس، لدراسة هذه المبادرة الاتحادية، وقواعدها، وآلياتها، وأدواتها. الأسباب والمبررات الداعية إلى هذا التكتل الاتحادي كثيرة، لعلَّ من أبرزها: المخاطر والتحديات الإقليمية الاستثنائية الناجمة عن الأزمات والصراعات والأطماع، التي تُحدق بدول الخليج فرادى أو جماعات، وبما يتطلب الأمر دخول هذه الدول في تكتل اتحادي يحفظ لشعوبها ديمومة الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. على مدى نحو 30 عاماً ونيف من العمل المشترك تحت منظومة مجلس التعاون الخليجي، تحققت الكثير من المنجزات السياسية والتنموية، بما يستدعي الأمر الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدماً في صيغ وبرامج التعاون، برؤية إستراتيجية متكاملة، تسمح بإحداث توافق سياسي أكثر عمقاً، وأكثر تنسيقاً، للتعامل مع التحديات والمخاطر الإقليمية الراهنة، ومستجداتها المتسارعة. والتعامل كذلك مع القضايا العالقة بما يخص برامج ومشاريع التكامل الاقتصادي، بين دول المجلس، ومنها العملة الخليجية الموحّدة، وعوائق السوق الخليجية المشتركة. تبدو أبرز الصيغ المتقدمة للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد ماثلة فيما يُعرف في القاموس السياسي بنظام (الكونفدرالية) فهو الأنسب لدول مجلس التعاون، وتتمحور آليته الأساسية في قيام الدول المنضوية تحته بالتنازل عن بعض قراراتها السيادية لصالح هيئة أو هيئات مشتركة مكونة من ممثلين أو مندوبين من الدول الأعضاء، تتولى صناعة وتنسيق قرارات هذه الدول الأمنية والدفاعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. وتتخذ هذه الهيئات قراراتها بالإجماع، أو أغلبية الأصوات حسب اللوائح والإجراءات التي يتم التوافق عليها. والاتحاد الكونفدرالي شراكة وتكامل بين عدد من الدول المستقلة، دون اندماجها في دولة أو كيان واحد - الاتحاد الفيدرالي- وبالتالي تحتفظ كل دولة خليجية بسيادتها، وكيانها السياسي والقانوني المستقل، وعضويتها في المنظمات الإقليمية والدولية، ويتمتع مواطنوها بجنسياتهم الأساسية. وهذا بطبيعة الحال ما تحبذه هذه الدول وترفض المساس به. إلى جانب ذلك تتوفر العديد من العناصر المشتركة التي من شأنها إحداث تطبيقات ناجحة للاتحاد الكونفدرالي بين دول المجلس، منها: - وجود قواسم مشتركة بين هذه الدول بما يخص الدِّين واللغة ونظام الحكم والثقافة والعادات والتقاليد، وبصورة أدق التناسق التَّام بين مكوناتها ديموغرافياً وحضارياً وتاريخياً وثقافياً واجتماعياً. - تشابك المصالح السياسية والاقتصادية، بْله ووحدة المصير. - الحاجة والاحتياج المشترك لتطوير كيانات هذه الدول السياسية بصيغٍ أكثر تماسكاً وفعالية، يتيح مساحة أوسع من العمل والتنسيق المشترك، بما يخص كل الأحداث والأزمات الإقليمية والدولية. فالمراقبون للشأن الخليجي في مرحلته الراهنة يؤكّدون على وجود حالات من البطء، وأحياناً التضارب، في التوجهات والمواقف السياسية، بين بعض دوله، حيال قضايا محورية على المستوى الإقليمي والدولي. خلاصة القول أنَّ مشروع الاتحاد الخليجي خيار إستراتيجي، تفرضه الضرورة، لحماية استقرار دول هذه المنظومة، ورفاهية شعوبها. وازدهار اقتصادياتها، وتعزيز مكانتها العربية والإقليمية والدولية. مثل ما هو محاكاة لتجارب وتطبيقات وتكتلات سياسية واقتصادية عالمية ناجحة. أبرزها أنموذج الاتحاد الأوربي. كلمة أخيرة: نجاح أي تجمع اتحادي، أو وحدة كونفدرالية، يستلزم بالضرورة التوافق على إعداد وصياغة إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف، تتيح ترتيب أولويات دول الخليج، والوفاء باحتياجاتها الأمنية والدفاعية والتنموية. وهذا لن يتأتى إلا إذا خلُصت النوايا، وأُسند مشروع الاتحاد إلى الكفاءات الخليجية لبلورته، وتحويله إلى برامج مادية تحقق التَّطلعات المستهدفة. من كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله- خلال افتتاح قمة الخليج الثانية والثلاثين في الرياض مخاطباً إخوانه قادة مجلس التعاون: «إخواني لقد علَّمنا التاريخ وعلَّمتنا التجارب أن لا نقف عند واقعنا، ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة، ويواجه الضياع، وحقيقة الضعف، وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأوطاننا وأهلنا، واستقرارنا وأمننا، لذلك أطلب منكم اليوم، أطلب منكم إخواني اليوم، أن نتجاوز مرحلة التعاون، إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد، يحقق الخير ويدفع الشر إن شاء الله..».