قيل إن مكافحة الفساد، من ضمن أهدافها أن تبز المنافقين، وعليه فإنها ستخلص عقدهم من تلك الحبات الفاسدة من القارعين الطبول، والحاملين البخور حول الأشخاص ذوي النفوذ، من الكتاب، والمحللين، والمتفيهقين، شعراء.., وناثرين.. , وصحفيين، وإذاعيين... ولأن النفاق يتناقض مع الصدق، والصراحة قد تكون وقاحة، فإن المكافحة أيضا تشمل الفئة المضادة منهم، أولئك المدعين، والناقدين الحاقدين، والذين يدسون السم في العسل، أو يشهرون المساوئ، ويبهرونها كيفما تحلو الذائقة، ليس الأدبية بل ذائقة النفس الأمارة بالسوء.. ولئن جاء ضمن أدوار مكافحة الفساد هذا الدور، فإنه يتجاوز فساد الأعمال, إلى فساد الأقوال، أي فساد أداء االأعمال، لفساد أداء الألسنة والأقلام.. غير أن هناك لا حدود فاصلة في كثير بين الثناء الصادق، والثناء المنافق,... بينما القدح شاهد عليه مبناه، ومعناه... هناك الكثير والعديد من نماذج الجمال في مسالك مسؤولين، وفاعلين في الشؤون كلها، بدءاً من العامل البسيط ذي المسؤولية الابتدائية، وانتهاء للقائد الراعي, في أي مجتمع إنساني بشري تحكمه معايير الصدق، والكذب، والجودة، والرداءة، والصواب، والخطأ.. وفق ديدن البشر، وطبيعتهم.. لكن مسطرة التمييز بين نوايا البشر، ذات الدافعية للمدح، أو القدح، مسطرة عالية الحساسية حين تكون واحدة من أهم أدوات القياس والحكم على مصداقية المادح، والرادح سواء.. واستحقاقية الممدوح، أو المقدوح.. ولأن العقوبة أحد سبل التربية، والتصحيح، والتصويب، بمثل ما هي المثوبة سبيل للتقويم، والتثبيت، والدفع، فإن ما ستفعله مكافحة الفساد في مواقف المدح الفائض، والقدح الزائد، إنما يحتاج للتمييز الشفيف للنوايا, ولمدى استحقاق الممدوح، والمقدوح. تلك مهمة بالغة الصعوبة، تحتاج لمعايير بالغة الدقة.. فجانب منها ليس من مهام البشر.. ومع هذا فالخطوط العريضة لهذه المسطرة، تنطلق من واجبات مبادئ القيم النبيلة، تلك التي تنضوي تحت حكمة تربوية لمسار مسلك الإنسان الصائب وهي في آية ربانية، أو حديث شريف، أو قول مأثور: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}, و» قل الحق ولو كان مرا،... قل الحق ولو على نفسك»،.. و» قل خيراً أو فاصمت»... و{لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}.. ,..., و...,....و... والمسلم ليس بذاء، ومحمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم دعانا لأن لا نغالي فيه.. ولا نبالغ.. وأقول: إن مدحت فاعدل، وإن قدحت فألمح، وإن ساءك من بشر شأن فكن هينا في تجاوزه، فإن تمادى وأوغر، فناصحه، فإن اعتدل فسايره برفق، وإن مرق فكما تبتر العضو المريض عن الجسد السليم افعل.. إذ وجوده عندئذ في حياتك مدعاة لشقائك، فانج ما استطعت من الشقاء، للتفرغ للعطاء.. وإن سرك من بشر شأن، فطمئن نفسه بالشكر، واملأ جنانه بطيب الذكر، وإن كنت مسؤولا عنه فاجعل له مرتبة فخر، لا تحرمه جزيل الثناء، ولا تتركه وحيدا يتخبط في غربة الكدح، فالنفوس لا تخضر، ولا تعشوشب إلا بالطمأنينة لنتائج ما تصنع أبدانها وعقولها.. وخير دليل على هذا قول خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام: «اعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، والأجرة في جانب مشرق منها ليس نقد العمل بالمال، بل بالمآل، حين يأتي كلمة طيبة، ووجها بشوشا.. إن مكافحة فساد التعامل، يفضي لمكافحة فساد الجوف، وذلك جهاد يبدأ بالدرس، وينتهي بالنفس. تحية للصادقين، الخلص بأفعالهم، وأولئك بأقوالهم، حيثما يتحركون، وحين ينامون وملء جنوبهم نور صدقهم،...