جميعنا يلحظ تلك الجهود التي تبذل في بلدنا المملكة العربية السعودية من أجل مكافحة الفساد، وجهود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وجهود رئيسها الأستاذ محمد بن عبد الله الشريف، في مطاردة الفاسدين، إلاّ أنني أرى والكل يعتقد هذا ويشاطرني، بأنه من أجل مكافحة الفساد بأشكاله، ينبغي أن يبدأ كل فرد بنفسه بقمع شيطانه، ويبرز الرقابة الذاتية لديه والخوف من الله، فهي الواقي لنا وللمجتمع من الفساد، ولعلِّي استحضر معكم قصة ذلك الراعي الذي كان يرعى غنم سيده في فلاة، فأراد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما اختبار أمانة الراعي، فدخل معه في حوار، فقال له: هبني شاة من الغنم، فقال الراعي: إنها ملك صاحبها، وأنا مؤتمن عليها ومملوك له، فقال: قل له أكلها الذئب، فردّ الراعي بدون أن يستمهل ليفكر: (فأين الله؟ أين الله؟) فبكى ابن عمر رضي الله عنه، وقرر أن يشتري الراعي من سيده ويعتقه لوجه الله، هذه الرقابة وهذه الأمانة التي سكنت قلب الراعي، هي التي يمكن لنا إذا ما أحييناها في نفوسنا ونفوس الناشئة منذ نعومة أظفارهم، لتبقى سلوكاً يزين أفعالنا وأقوالنا، فسنضمن لأنفسنا ولأجيالنا حياة بدون فساد وسنسمع من يقول (فأين الله؟) فنحن أبناء دين عظيم، ينهى عن الفساد والإفساد «إنّ الله لا يحب المفسدين» وينهي أكل حقوق الآخرين ظلماً وعدواناً، إذاً بالرقابة الذاتية وتربية النشء على الخوف من الله، وأنّ هناك حساباً وعقاباً وكتاباً سيجد المرء فيه كل ما عمل، فلن يقدم على مفسدة، وهو دور تضطلع به الأسرة كونها محضن الطفل الأول، ثم المدرسة بمناشطها وبرامجها، التي يجب أن توظف في صبغ شخصيات طلابها، على سلامة القلب واليد ونقاء السريرة، وما أجمل ما قاله زهير في معلّقته حين أنشد: فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ومهما يُكتم اللهُ يعلم يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينقم