تبقى الشجرة واقفة وإنْ عجفت.. ذلك لأنّ طبيعة الموت أسرار.. فالشجرة لا تموت أبداً إذ ثمة غيمة ترمقها من بعيد، ما تلبث أن تمطرها بليل أو نهار.. والشجرة لا تموت أبداً، إذ جذرها مغموس في الأرض، وثمة كمين ماء هناك لعروقها... والشجرة لا تموت أبداً، إذ في الهواء من حولها إكسير حياة.. والعصافير تأويها، وأعشاشها تحييها، وما دامت كنفاً ومأوى ينتفي عنها الموت الأبدي..! الشجرة وإن اكتست بدل الخضرة بلون الطين، فلأنها متجذّرة في التراب، واقفة على الثرى، شمّاء فوق الأديم.. الشجرة للمقوين متاع، وللمستظلّين مدرأ .., وللأنواء مستقبلة، وللوحدة أنيس،.. لها صوت، تحف به فتقول،.. ولها ثمر، وإنْ غاب عن أغصانها.., تمادى جوارها.., أو توارى..! ولها هيبة الإنافة.. والشموخ.. ولها يد العطاء والإيثار.. الشجرة لا تموت، وإن آلت إلى الجفاف.. أو الكفاف.. فلها في المكان مكان.. فلا تجتثّوها.. ثمة أسرار في حفيفها.. تحدث عنها عش الطيور.., وأجناح العصافير،.. وثمرة نقّبتها مناقير كانت في توها تتلعثم.. وبيضة مهاجرة فارّة من سربها، أودعتها عندها لحظة مخاض ومضت.., أو بقيت.. فبنت عشها بين أغصانها.. الشجرة لا تموت فهي ملاذ الغرباء المهاجرين من الطيور.. وطن الجناح، والغصن، والفرع، والطير، ونبض الماء.. عند جذوعها تربة استأنست بالرواء.. ورائحة الخضرة،.. وأغصان توشّت بألوانها ذات فتنة.. وفيها قدرة من خلق.. تنطق بحياتها خضراء، وطينية عجفاء.. لا تجتثّوها.. فثمة عيون أودعت عندها نظراتها، وصدور أرسلت إليها دهشاتها.. الشجرة لا تموت.. فسيرة مديدة سُجلِّتْ فوق لحاها.. ولها علائق مع الشمس، والسحب، والقمر، وضجيج الشارع، وسكون الليل.. وعبث الصغار.. وكدح المزارع.. وإقبال المطر, والريح، والبرق.. والطنين، والأنين.. والهسيس والغبار..!! كتبت هذا في اللحظة ذاتها،.. وأنا أرى من يحمل على الشجرة ليجتثّها.. يريد براحاً يركض فيه الصغار، وتبسط العربات فيه أذرعتها لتنام.. فزعت للمليحة في ثوبها الترابي..! ولعلّكم تفعلون..