ماذا يعني أن يتضاعف عدد المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية ليصل في معظم مناطق الغرب الأوسط وجزء من جنوب البلاد خلال العقد الماضي، إلى مستويات تفوق عدد اليهود في تلك المناطق، وفقاً لدراسة أجرتها جمعية الإحصائيين للهيئات الدينية الأمريكية؟ ربما لا شيء.. على الأقل في الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور! للوهلة الأولى يتولّد لدى من يقرأ هذه المعلومة التي بثّتها وكالة رويترز ونشرتها صحف كثيرة، أنّ المسلمين في أمريكا أصبحوا يمثلون ثقلاً سياسياً من خلال تزايد أعدادهم. وعندما تأتي هذه المعلومة بصيغة تتضمّن مقارنة بين عدد المسلمين وعدد اليهود، فإنّ البعض سيتصوّر أنّ نفوذ اليهود على الساحة الأمريكية سوف يتقلّص أمام هذا «الزحف» الإسلامي الكبير..! لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك! فالمسلمون في أمريكا، حتى لو تضاعف عددهم أضعافاً مضاعفة، لا يشكّلون خطراً حقيقياً على النفوذ اليهودي داخل الولاياتالمتحدة. إنّ الفرق، عند المقارنة بين نفوذ المسلمين ونفوذ اليهود في أمريكا، ليس فرقاً كمّياً وإنما هو فرق نوعي. فاليهود يعملون في مهن ومواقع مؤثِّرة كالإعلام والسينما والبنوك والتجارة وشركات القانون والمحاماة والجامعات، وفي الدوائر السياسية المؤثّرة كالكونجرس والبيت الأبيض والوزارات والهيئات الحكومية.. وبالتالي فهم يملكون أصواتاً مسموعة ومؤثّرة، بينما يندر أن تجد مسلماً في مثل هذه المواقع. وفضلاً عن ذلك، فإنّ اليهود في أمريكا منظّمون من خلال جمعيات ومنظمات دينية وسياسية واجتماعية، بينما المسلمون ممزّقون ومتشرذمون.. وقد أضعفتهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر فأصبحوا في موقع الاتهام والدفاع. ومما يزيد من ضعف المسلمين في أمريكا، التباين الشديد، حدّ التناقض، في خلفياتهم العرقية والثقافية والسياسية.. وبدلاً من أن يثري هذا التنوُّع أنشطتهم ويعزّزها أصبح مصدراً للتناحر والصراعات. إنّ مشكلة مسلمي أمريكا، إلى حد كبير، هي أنهم ينقلون معهم خلافاتهم وصراعاتهم من بلدانهم الأصلية إلى المهجر.. ثم إنّ الكثيرين من أبناء الجيل الثاني وما بعده يبدأون بالنأي بأنفسهم عن الثقافة الإسلامية بسبب الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين.. وهي صورة سيئة زادها سوءاً سلوك بعض المتشدّدين. إنّ العبرة ليست بالعدد.. ولو كانت كذلك فإنّ نفوذ مسلمي فرنسا، على سبيل المثال، كان سيصبح أكبر من نفوذ اليهود لأنّ عددهم في فرنسا يفوق عدد اليهود! بل لو أنّ العبرة بالعدد فإنّ عدد المسلمين في العالم يفوق عدد اليهود في العالم.. ومع ذلك نحن ندرك البون الشاسع بين أوضاع المسلمين وأوضاع اليهود في العالم. يضاف إلى هذا كله التقارب الحضاري والأيديولوجي بين اليهود والغرب وما جرى من أحداث منذ الحرب العالمية الثانية.. ومع ذلك نستطيع أن نتعلّم الكثير من التجربة اليهودية التاريخية.. فهم عبر التاريخ كانوا محل احتقار واضطهاد المجتمعات الغربية.. وقد انعكست صورة «اليهودي الجشع» في الإنتاج الأدبي لكبار المبدعين الأوروبيين وعلى رأسهم شكسبير وتشارلز ديكنز وديستويفسكي وغيرهم.. نستطيع أن نتعلّم.. وقد يسعفنا الحظ فنستوعب ونتغيّر..!