مواسم الانتخابات في الغرب هي مواسم مغازلة إسرائيل والتنديد بالقيم والعادات التي يعتنقها ويمارسها بعض أو معظم المسلمين الذي يعيشون في المجتمعات الغربية.. وتأتي فرنسا في مقدمة الدول الغربية التي يتعرض مواطنوها المسلمون للمضايقة، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى مواقف أكثر تشدداً كردة فعل على ما يعتبرونه إهانات موجهة لهم أو لدينهم. وفرنسا التي تعيش هذه الأيام موسم انتخابات رئاسية أصبحت من جديد، مغرية بالمتابعة الشديدة واللصيقة من قِبَل كل من يهمه الوقوف على آخر ما تفرزه صراعات السياسة من آثار جانبية يكون ضحيتها المواطنون المسلمون الذين يحملون جنسية ذلك البلد.. ومعروف أن بعض هؤلاء يمثلون الجيل الثالث أو الرابع في فرنسا وقد شارك آباؤهم وأجدادهم في حروب فرنسا بما في ذلك الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.. لكنهم الآن مجرد «مسلمون» يعيشون في فرنسا بحسب رأي بعض الأحزاب والجماعات اليمينية الفرنسية المتطرفة! وتأتي المرشحة الرئاسية «مارين لوبن»، الأمينة العامة لحزب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في مقدمة من يوظف شعارات الكراهية ضد المسلمين في إشعال الساحة السياسية الفرنسية هذه الأيام وإشغالها بجدليات لا تليق بتاريخ فرنسا ودورها التنويري الحضاري في المسيرة الإنسانية.. فرنسا التي كان شعار ثورتها الكبرى الخالدة: «الحرية، الإخاء، المساواة»! لا يمكن إعفاء المتطرفين المنتسبين إلى الإسلام من المسؤولية من خلال بعض التصرفات الفردية الحمقاء، ولكن عندما يتجاوز هجوم «مارين لوبن» هؤلاء المتشددين ليشمل القيم الإسلامية نفسها فإن ذلك مؤشر خطير يهدد أي مسلم فرنسي مهما كان مسالماً ويجعله موضع اتهام حتى يثبت العكس. ومشكلة مسلمي فرنسا مع «مارين لوبن» هو أنها الآن تأتي في المرتبة الثالثة بين مرشحي الرئاسة الفرنسية.. فهي لم تعد تمثل مجرد تيار فكري أو حزب سياسي أو مجموعة عنصرية صغيرة.. وهذا من شأنه أن يخلق ردة فعل ربما تكون أكثر تطرفاً بين من يشعر بالغبن من الفرنسيين المسلمين. لقد صدر في فرنسا كتاب منذ فترة قريبة جداً لصحافية فرنسية اسمها «كلير شيكغليني» بعنوان «مرحباً في الجبهة الوطنية: يوميات متسللة» روت فيه ما جمعته من معلومات عن عداء أعضاء حزب «مارين لوبن» للمسلمين وقالت: إن هذا الهدف هو الذي يوحِّد أعضاء الحزب.. وكانت الصحافية المذكورة قد تسللت إلى صفوف الحزب وهياكله لكي تتعرف عن قرب إلى الفكر العنصري المريض الذي يقوم عليه الحزب. من المستبعد أن تفوز هذه السيدة العنصرية التي ورثت عن والدها «جان ماري لوبن» كل سماته العنصرية، بمنصب الرئاسة الفرنسية.. ولكن كم سيكون محزناً لو أن مثل هذا الفكر المتخلف زحف على الساحة الثقافية الفرنسية والتهم البقية الباقية من الإرث التنويري لفرنسا فولتير وجان جاك روسو وغيرهما من عمالقة الوعي الإنساني!؟