كلما اعتقد أناسٌ موت الإرهاب إذ به يخرج عليهم بقرنيه من تحت الأرض وكأنه شيطان. مملكتنا قطعت أشواطاً عظيمة ومميّزة في محاربة الفكر الإرهابي بالتوعية وبالحوار وبالمقاومة وبالوقاية وبالنصيحة حتى تراجع كثيراً إلى الوراء، لكنه مازال موجوداً. هناك مشاهد إرهابية ظهرت للناس عياناً ومشاهد أخرى لم يعلم بها إلاّ أهل الاختصاص، وتجمُّعات إرهابية خطيرة للغاية لم يعلم بها إلاّ أصحابها، خرجت بعض آثارها على السطح، كما حدث لدى اختطاف إرهابيين مسلحين لنائب القنصل السعودي في اليمن الأستاذ عبد الله الخالدي في 28 مارس - آذار، نسأل الله أن يعيده لأهله سالماً عاجلاً غير آجل. من خلال مهاتفة المطلوب مشعل الشدوخي لسفير المملكة في اليمن الأستاذ علي الحمدان يتبيّن ما يلي: فلسفة الطاعة الأميرية حيث ينعدم السلوك التوكيدي لدى أفراد القاعدة وتمسخ شخصياتهم بالكلية، فالشدوخي الذي كان يتحدث مع السفير كان باختصار شديد (ريبوت) جسد فرغ عقله ثم عبئ بالأوامر (افعل ولا تفعل قل ولا تقل)، فليس له عقل يميز أو يفكر أو يحلل أو يتخيل أو يربط، ومن هنا نلحظ تكرار كلمة قالوا لي، أنا مجرّد ناقل لرسالة. أمير التنظيم. لذا فلا نستغرب أن طالب بالإفراج عن أشخاص وهم ليسوا بمسجونين!. كما نلحظ بالمهاتفة وجود شخص أو أكثر بجانب الشدوخي وهو يملي عليه وقام مراراً بقطع الاتصال ثم العودة مرة أخرى. ومن هنا وقع بخطأ في ترتيب المطالب، كما أنه بدءاً قال لدينا أسئلة وقال لا نحب أن نتحدث مهاتفة بل نريد أن نحدد موعداً، ثم قام الشخص القريب من الشدوخي بتغيير رأيه، فمن كلمة أسئلة إلى مطالب ثم عدل عن تحديد الموعد المكاني والزماني للقاء مع السفير، إلى الاكتفاء بتلاوة المطالب بالهاتف ولعلّ العدول عن ذلك سبقه تخطيط لخيانة السفير باعتقاله أو قتله ليزداد ضغطهم على الحكومة السعودية. الأزمة الاقتصادية للقاعدة طلب الفدية يدعم نجاحات جهود الدولة السعودية في تجفيف منابع الدعم الذي كان يصل للقاعدة، فهي الآن تبحث عن المال بأي وسيلة مهما رخصت، كما يبيّن أنّ القاعدة مصرّة على تكفير الدولة، لأنّ الفدية تُطلب من الدول الكافرة لفك الأسرى! - ولعلّ لسائل أن يقول فلماذا لا تسرق القاعدة أحد البنوك في اليمن فالفرصة سانحة؟ هذه أحد المضحكات في خاصية اضطراب القيم لدى القاعدة فسرقة الأموال (حرام) واختطاف المسلمين وإرهابهم وتهديدهم تحت السلاح وحرمانهم من فلذات أكبادهم وأزواجهم وأمهاتهم وآبائهم وذويهم، كل هذا (جائز وقد يكون واجباً بحسب أوامر الأمير). - المحاولة الغبية لاستمالة الشعب اليمني: حيث طالب الشدوخي الإفراج عن المسجونين اليمنيين فقط ولم يطالب بالإفراج عن أي معتقل لدولة أخرى. وهذا يدل على أنّ للقاعدة منهج فكري شاذ متوحّد لا يرتبط بالإسلام ولا بالمسلمين بأي رابط، فأين القاعدة من جرائم الحوثيين وأين نصرتهم لإخوانهم في اليمن الذين حوصرت مدنهم وقراهم وقتل أطفالهم في مدارسهم، حتى رفع شال المرأة اليمنية العفيفة الشريفة في عدد من القنوات الفضائية، كناية عن أنّ عرضها ينتهك وأنها تنادي كل إنسان واغوثاه! أين هم من الحوثيين وقد ذهب منهم مجموعة لإتمام مشروع التصفية الطائفي في سوريا! القاعدة تتابع ذلك لرصد تحركات القوى اليمنية وتحللها، وهي أصلاً تقوم بأدوار إرهابية بالتناوب مع حلفائها الحوثيين! عملاء إيران، فالعلاقة بين إيران والقاعدة حيوية جداً وقديمة، فإيران كانت ومازالت محطة تنقُّل آمنة جداً من أفغانستان إلى العراق. وهي الأم الرؤوم للقاعدة بعد سقوط أفغانستان ضيافة وتدريباً وتخطيطاً. وفي المقابل منحت القاعدة إشارة خضراء لمرور البوارج الإيرانية والروسية تحمل نفطاً وأسلحة وطائرات لنسف الشعب السوري! ولم يحدث لها ما حدث للمدمرة الأمريكية كول! والقاعدة في ظل هذه الظروف الرائعة تستبق الزمن لمشروعها الجديد، وهو بناء الدولة على غرار أطلال أفغانستان (الخلافة الإسلامية). ولا نستغرب التعاون القوي بين القاعدة وإيران، فالمصالح هي كل شيء في حياتهم، حتى على حساب الضمير ودماء الأطفال والأعراض، وما يحدث الآن في اليمن هو الدليل رقم ألف في إثبات العلاقة بينهما، كما أنّ الشاذين في التطرُّف دائماً يتوافقون مهما تناقضت مشاربهم. إذاً فلماذا لم يساندوا الحوثيين في معاركهم؟ لو تدخّلت القاعدة مع الحوثيين ضد المسلمين السنّة لخسرت العالم بأسرة، ولفضحت اتفاقياتها السرية مع إيران، كما أنّ الذين يخططون ويقيمون العلاقات هم الزعماء فحسب، لذا ما يزال الأمر سراً لحد ما على كثير من الصغار الذين هم وقود العميلات الإرهابية. لماذا اليمن بالذات؟ اختارت القاعدة مسقط رأسها في اليمن، وأصبح أفضل من أفغانستان بكثير، فالاضطرابات السياسية والضعف الاقتصادي والطبيعة الجغرافية الوعرة ووجدوا منافذ بحرية وجبلية يصعب جداً مراقبتها واتصال المنافذ البحرية بدول ضعيفة استراتيجياً، ومن أجل كون السعودية بلداً طارداً للإرهاب وملاصقاً لليمن، ولوجود عدد من التابعين للقاعدة من القرى غير المتعلمة من اليمن تحميهم جماعتهم - علناً أو سراً -، بسبب التركيبة العرفية للطبيعة القبلية وامتلاك القبائل أسلحة ثقيلة، ولوجود سوق سوداء للسلاح، وكون الثقافة اليمنية قريبة من الثقافة السعودية، كما أنّ الشعب اليمني في القبائل النائية متديّن بالفطرة وغير متعلم، فيسهل التأثير عليه، أو على الأقل تجد القاعدة منهم استعطافاً أو عدم اهتمام بخطورتهم، ولقرب مضيق باب المندب التجاري العالمي والذي من المؤكد أن يوجد تبادلاً شرطياً مع إيران في مضيق هرمز. الخطف والتهديد لغة القوم لا يعرفون من وسائل الاتصال مع الناس إلا هي، ولا يتقنون أخلاقاً إنسانية في حياتهم إلا أن يقولوا (سنفجِّر سنقتل سنختطف ....). روح الجماعة وأثرها في بناء التفكير من المؤكد وجود تساند في المشاعر من أعضاء القاعدة، وتآزر فكري قوي ومتماسك، والذي يحدث نفسه بتغيير التفكير يخشى من عدم كسب رضى الجماعة، أو أن لا تقبله دولته التي ينتمي إليها، وفي هذا الجو الكئيب المهدد بالمطاردة والمنبوذ دولياً وشرعياً ودينياً، تمتلئ الجماعة بإحباطات عنيفة، فيقوم أمير الجماعة وأزلامه الكبار بالإشباع الروحي للأعضاء لتعطُّشهم للأمن النفسي، فيعلقهم بالعالم الغيبي الذي ليس لهم يد في تغييره وليس حاضراً أمامهم فيعلقونهم ب (الجنة - الحور العين - منازل الشهداء - رائحة الشهيد ...)، ويسلونهم بتزهيدهم للحياة - لأنهم فلسوا فيها - وأنّ المؤمن في هذه الحياة يعيش في كبد وأنه غريب (فطوبى للغرباء) فيولد الإحباط والكآبة قوة هجومية عنيفة انتحارية - فقد أصبح الموت أفضل من الحياة. بذل قصارى الجهد في صناعة فكر منغلق إلى أبعد الحدود أعضاء الجماعة لا يسمعون لأحد أصلاً، فضلاً عن أن يتأثروا به وهم لسنوات طويلة يعيشون بخنوع وباستمتاع تحت ضغط الإمرة، فالأنا قد تورّمت لحد الانفجار، فالفرد في القاعدة يؤمن بأنّ كل معتقداته وأفكاره صحيحة، وأن معتقده هو معتقد الصحابة تماماً ولو خالفه أهل الأرض قاطبة، فهو الذي يعرف والناس مساكين جهال مغفلون همهم شهواتهم لا يعرفون شيئاً، وهو الذي همه آخرته فقط وهو الذي يفهم كل شيء ... السياسة والدين والحياة وفقه الواقع و... ومن أجل ذلك فهو مستعد للتضحية بكل شيء ... أهله.. ماله.. أمه.. أبوه، لتحقيق معتقده الفاسد. من أشكال اضطراب القيم: (فلسفة القتل واستباحته) ففي نهاية الاتصال يقول الشدوخي إنّ أعضاء القاعدة أول ما علموا باختطاف الخالدي وهم يقولون جهّزوا السكين! فالأعضاء لديهم استعداد تام للقتل بسبب التفكير الشاذ المتراكم، كما أن فيه تشفياً باستخدام السكين، وهذا يبيّن أثر العزلة النفسية والعلمية والاجتماعية والأخلاقية عن العالم. كما يبيّن أنّ فلسفة القتل وما يماثله من فلسفات تم إغراق جميع أعضاء القاعدة بها، وأنها هي الحل الوحيد ولا حل غيره. فالقتل هو الوسيلة الوحيدة لإثبات الوجود فحسب.