قال الشيخ صالح بن عواد المغامسي، إمام وخطيب مسجد قباء: إن النبي صلى الله عليه وسلم توازن في بنائه للمدينة، فكما اهتمّ ببناء سوقها اهتمّ باختيار مقبرتها ليعلم الإنسان أن حاجته من التزوّد للدنيا لا تلهيه عن التزوّد للحياة الآخرة. واستعرض المغامسي في محاضرة له بعنوان: «النبيُّ في المدينة» نظمها مساء أمس الأول كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ المدينة بالجامعة الإسلامية قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرًا وفرح أهلها به، حيث قال أحد الصحابة: ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، مبينًا أن قدومه كان في التاسع من ربيع الأول وعمره 53 سنة، ودخل من ناحية قباء من ناحية عوالي المدينة تفاؤلاً بعلوِّ الدين، وأقام في قباء عند بني عمرو بن عوف أربعة أيام من الاثنين إلى الخميس، وفي يوم الجمعة أناخ في مسجد الجمعة عند بني سالم بن عوف حتى لا يميّز أبناء العمومة عن بعضهم. وأشار إلى أن من دروس توازنه صلى الله عليه وسلم في هجرته أمره لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يبقى بعده بمكة حتى يقضي لأهل مكة أماناتهم مع أنهم كفار وقد آذوه، وهذا يدل على أن لؤم النذلاء لا يضر فضل النبلاء. ثم حكى المغامسي عمل النبي صلى الله عليه وسلم في بناء المدينة، موضحًا أنه جعل لها حرمًا محددًا بحدود، وحين أراد بنو سلمة التحول من ديارهم والنزول معه في المدينة لم يرغب في ذلك، بل رغّبهم في البقاء خوفًا من تعرية أطراف المدينة وهو ما قد يطمع فيها الأعداء، وذلك تهيئةً لها لتكون عاصمة الدولة. كما أنه صلى الله عليه وسلم أسس لنظام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، كما علم الناس كيف تُعمر المدينة، فأقطع العقيق وما حوله لأحد الصحابة ليكون سببًا في عمرانه، وأقطع آخرين مواضع أخرى، وأقام لهم سوقًا لتجارتهم، واستمرّ الوحي ينزل بالأنظمة والنبي صلى الله عليه وسلم يمليه على أصحابه. وقال المغامسي: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بتحبيب المدينة إلى أصحابه المهاجرين، فحين كانوا يشعرون بالحنين إلى مكة وقد أخذتهم الحمى بالمدينة عالج ذلك بالدعاء برفع الحمى وبتحبيب المدينة إليهم، كما اختار لهم موقعًا للدفن وهو بقيع الغرقد الذي كان يزوره ويدعو لأهله. وذكر المغامسي ما كان يوليه النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة كافة من حب ومودة فقد كان يذهب إلى صلاة العيد من طريق ويعود من طريق أخرى حتى تعم بركته أهل الطريقين، وكانوا من حبهم له يأتونه بثمارهم أول ما تنضج، ويستحيون أن يُجنى الثمر وهو لا يدري فإذا أعطوه إياه نظر فأعطاه لأصغر القوم لأن نفسه تتعلق به. وعن حجراته صلى الله عليه وسلم قال المغامسي: إنها كانت تشهد وقوفه وقيامه بين يدي الله؛ لأن العبادة هي المقصود الأعظم، وقد مُلأ قلبه شفقة ورحمةً على أهله فكان يوقظ أهله ليوتروا ولم يأمرهم بالقيام الطويل الذي كان يفعله هو. وختم المغامسي بالحديث عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع، وحزن الصحابة لفراقه. وفي جوابه على سؤال حول ترك المدينة للعمل، فهل يأثم صاحبه، قال: إن النية لها اعتبار عظيم، وفي هذا الزمن لا يملك الإنسان أن يحدد مكان عمله ومصدر كسبه، فلو وجد عملاً خارج المدينة يكون نيته أن لو وجد فيها رزقًا لعاد إليها، ولا يكون فرحًا بخروجه منها. وعن الأحاديث الواردة في فضل الأنصار، هل هي خاصة بالأنصار، أجاب المغامسي أن هذه الأحاديث لا تنصرف إلا للأنصار الأولين الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن الأسماء الشائعة للمدينة قال المغامسي: إنه لا يعلم من أين جاء اسم المظلومة والمسكينة مرجحًا أن يكون من كلام المتأخرين، حيث لا يحفظ فيها شيئًا.