وارسو - الجزيرة - عبدالله أبا الجيش: تترقب الأوساط السياسية والاقتصادية وخصوصاً في مجتمعات رجال الأعمال في المملكة العربية السعودية وجمهورية بولندا الزيارة التي سيبدأها اليوم رئيس وزراء بولندا الذي سيصحبه وفد وزاري عال المستوى إضافة إلى عدد من رجال الأعمال. و(الجزيرة) التي واكبت الإعداد لهذه الزيارة التقت سفير المملكة العربية السعودية في وارسو الأستاذ وليد بن طاهر بن رضوان الذي أكَّد بأن الزيارة المرتقبة لمعالي رئيس الوزراء لجمهورية بولندا إلى المملكة تأتي في سياق الزيارات الرسمية المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين منذ إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1995م والتي أعقبها افتتاح سفارة بولندا بالرياض عام 1998م ثم افتتاح سفارة خادم الحرمين الشريفين في وارسو عام 2001م وتوالت بعدها العديد من الزيارات الرسمية التي توجت بالزيارة الرئاسية لرئيس جمهورية بولندا عام 2004م التي أعقبها الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين إلى بولندا عام 2007م والتي تم خلالها توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم ثنائية هامة تعتبر من ركائز التعاون المشترك حاليا ومستقبلا مع بولندا في مجالات متعددة. وفي الواقع أنه يمكن ملاحظة ومتابعة تطور العلاقات بين البلدين منذ ذلك الوقت وحتى الآن، إذ تواصل توافد لجان ووفود متخصصة حرص المسؤولون فيها على استكشاف مجالات التكامل والتعاون والتنسيق لما فيه فائدة ومصلحة الطرفين لاستكمال دراسة تفاصيل واضحة ومحددة لمجالات التعاون التجاري والاستثمارية والتعليمي والصحي والعسكري والرياضي والثقافي وغيرها وكان آخرها قبل فترة وجيزة عقد اجتماعات للدورة الأولى للجنة السعودية البولندية المشتركة التي عقدت في وارسو وتمخض عنها نتائج إيجابية هائلة. ولا يمكننا أن ننسى التنويه بالدور الذي يؤديه مجلس الأعمال السعودي البولندي الذي أوجد منتدى دائما لتعاون مستمر بين رجال الأعمال في البلدين في مجالات التجارة والاستثمار والمشاريع المشتركة. ومن الطبيعي أن تثمر هذه الجهود نتائج جيدة فقد تضاعفت التجارة البينية بين المملكة وبولندا منذ بداياتها حتى تجاوزت نصف مليار دولار عام 2009م ثم استقرت نوعا ما في العام التالي بسبب الأزمة المالية العالمية إلا أنها عاودت الارتفاع بوتيرة أكبر منذ عام 2010م حتى أن البيانات تشير إلى ارتفاع حجم التجارة البينية في عام 2011م عن العام السابق بنسبة 24% تقريبا، وليس هذا فقط إلا أنه كذلك أمكن تحقيق اتزان واضح في الميزان التجاري بما يعني زيادة الصادرات السعودية إلى بولندا. إن دور جمهورية بولندا على المستوى السياسي والاقتصادي من خلال موقعها المتقدم في الاتحاد الأوربي وأيضا عضويتها الفعالة في المنظمات الإقليمية والدولية، إضافة إلى الإنجازات الهائلة التي حققتها في العقود الثلاثة الماضية في كافة المجالات يجعل علينا واجب بذل كل جهد ممكن لتطوير التعاون معها بكل السبل الممكنة. إننا نتابع بتقدير الإنجازات التي حققتها بولندا لتنويع مصادر الدخل القومي وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، والتحكم في نسبة التضخم ووضع ضوابط عملية لتخفيض الدين العام والعجز في الميزانية، ونجاحها في تحقيق نسبة نمو مستدامة في خضم الأزمات المالية التي تواجه العديد من دول الاتحاد الأوربي، حيث تجاوزت نسبة النمو خلال العام الماضي 4%. كذلك اتباع إستراتيجية ناجحة لتخصيص شركات ومؤسسات مختارة ومملوكة من الدولة. إن تنافسية الصادرات البولندية والمركز المتقدم الذي تحتله بشأن نسبة العائدات على الاستثمارات إضافة إلى موقعها ووزنها المالي والاقتصادي والسياسي ضمن شركائها في الاتحاد الأوربي والجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة البولندية لبناء قاعدة قوية من اليد العاملة الفنية عالية التأهيل والتدريب تعتبر جميعها حوافز مغرية للمستثمرين ورجال الأعمال من المملكة. أنا لا أحتاج بالطبع للتأكيد في المقابل على الحوافز التي تشجع المستثمرين ورجال الأعمال والصناعيين من بولندا للمشاركة في ازدهار اقتصاد المملكة المصنف كأحد أكبر عشرين اقتصاد قوي في العالم، وضمن المركز الحادي عشر في قائمة الدول التي يسهل فيها بدء نشاط استثماري. كما أن تنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي من النفط البتروكيماويات إلى قطاعات أخرى كالصناعات المتوسطة والثقيلة والتحويلية لا شك تعتبر حافزا إضافيا. ولا ننسى أن ننوه أن البلدين قد وقعا العام الماضي اتفاقية هامة لتجنب الازدواج الضريبي وقد دخلت حيز التنفيذ والتطبيق الرسمي لها.. إنني آمل أن يكون لبولندا نصيب من المشاركة في هذه النهضة التي تعيشها المملكة، ونحن في سفارة المملكة في وارسو نشجع الجانب البولندي على ذلك سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص من رجال أعمال وشركات على استكشاف الفرص المناسبة وذلك من خلال تزويدهم بالمعلومات والبيانات المطلوبة في حدود ما هو متوفر منها سواء بشكل مباشر أو من خلال البوابة الإلكترونية للسفارة. كما أن على الجانب السعودي في مجلس الأعمال السعودي البولندي المشترك واجب في محاولة استقطاب رجال الأعمال والشركات والمستثمرين من بولندا الذين لديهم الاستعداد والكفاءة للدخول إلى السوق السعودي الواعد. كما أننا نشجع الجانب البولندي من شركات ورجال أعمال على القيام بدراسة فرص التواجد الدائم في المملكة إما من خلال التسهيلات المتاحة التي توفرها الهيئة العامة للاستثمار أو الجهات الحكومية والخاصة الأخرى، أو من خلال الدخول في شراكة ناجحة ومفيدة مع نظرائهم في المملكة. من الأفكار ذات الجدوى لا شك هي إقامة معارض دائمة أو مؤقتة في المملكة أو المنطقة للمنتجات البولندية لإبراز مواطن القوة التي تتميز بها الصناعة والمنتجات البولندية ذات الجودة العالية والسعر المنافس. إنني آمل أن يتم كذلك التفكير في جدوى إنشاء مكتب تجاري بولندي في المملكة يستطيع توفير الدعم القانوني والتشغيلي للشركات الراغبة بالاستثمار في المملكة ويكون قادرا على إعداد دراسات الجدوى وتحديث المعلومات وفرزها وتعميمها على الشركات والمستثمرين الراغبين في الدخول في المنافسات العامة لتنفيذ المشاريع العملاقة المتوقعة حاليا ومستقبلا خاصة مع صدور قرارات الاعتمادات المالية الإضافية للمشاريع التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين العام الماضي لقطاعات الإسكان والبنية التحتية وغيرها من القرارات التي ضخت بلايين الريالات للاقتصاد السعودي. إننا دائما نذكر الأصدقاء البولنديين أنه للحصول على حصة من المشاريع المزدهرة في المملكة لابد من التواجد في الموقع أي في السوق السعودي نفسه لأن اقتصاد المملكة هو أكبر وأقوى اقتصاد في المنطقة والمنافسة قوية وشديدة. إن الإمكانيات الهائلة لقطاع التعليم العالي في جمهورية بولندا قد جعلها في السنوات الماضية مقصدا مثاليا لطلابنا المبتعثين من المملكة ومعظمهم ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي، لدراسة التخصصات الرفيعة كالطب البشري وطب الأسنان والصيدلة والعلوم الهندسية والحاسب الآلي، فقد جاوز عددهم حاليا ثمانمائة طالب وطالبة يدرسون في عدد من أرقى الجامعات البولندية ذات السمعة الدولية العالية، خاصة أنه بعد انضمام بولندا للاتحاد الأوربي أصبحت المناهج التعليمية بها متكافئة مع مثيلاتها في أرقى الجامعات الأوربية الأخرى. كما أن الجامعات التي يدرسون بها قد أعدت مسارا دراسيا باللغة الإنجليزية يسهل على الطلاب الراغبين بالدراسة بهذه اللغة العالمية. إنني دائما أقول لأصدقائنا في بولندا أن شباب المملكة من بنين وبنات هم أغلى استثمار لنا للمستقبل ونحن شاكرون لبولندا دولة وشعبا أنها تساندنا في جهد توفير أعلى مستويات التعليم الجامعي المتخصص لهم ليتحملوا مع أقرانهم متابعة مسيرة التنمية والتقدم والتطور لبلدنا الغالي. إنه غير مستغرب أن نقول إن الصداقات الحقيقية التي يبنيها الإنسان والتي تستمر عادة مدى الحياة هي تلك التي يكتسبها أثناء سنوات الدراسة خاصة الجامعية منها، لذلك فلا شك عندي أنه مع وجود هذا العدد الكبير من طلابنا السعوديين في الجامعات البولندية يمكننا أن نتوقع أن يكون كل واحد منهم مساهما فاعلا في جهود دعم العلاقات بين البلدين الصديقين على مدى سنوات طويلة في المستقبل. إنني على ثقة كبيرة أننا متجهين نحو توسيع إطار التعاون مع بولندا في عدة مجالات كالتجارة والاستثمارات والسياحة والتعليم والأبحاث العلمية، فبولندا شريك مخلص ومحل تقديرنا كمساهم في المشاريع التنموية في المملكة. إننا يجب أن ننظر ونتطلع بحماس أكبر لجلب أكبر عدد من رجال الأعمال الذين يمثلون كبرى الشركات والمؤسسات، تلك القادرة على الدخول في شراكة لإقامة تعاون صناعي أو تجاري في كلا البلدين، لاستيراد وتصدير المنتجات الهامة، أعمال المقاولات والبناء، نقل الخبرات الخ.. فمن غير المعقول أن يبقى تمثيل الشركات السعودية في بولندا والشركات البولندية في المملكة محصورا في عدد محدود ونشاط ضيق، فهناك بلايين الدولارات أو اليورو التي تجري في عروق الاقتصاد في البلدين في عدة مجالات، وإننا نسعى لإيجاد التقارب والتعاون بين الشركاء لفائدة الشعبين والبلدين. أما على المستوى السياسي، فإنه وبرغم إمكانية اختلاف الرأي حول بعض المسائل الدولية التي تهمنا، إلا أنه مع ذلك فإن البلدين يتبعان طريق الحوار وتبادل الآراء بشكل حضاري وصحي يقومهما الالتزام بسياسة الدفع بالحلول السلمية للنزاعات في إطار الشرعية والقرارات الدولية. وجه تشابه آخر بيننا هو سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. إن موقع بولندا الجيوسياسي المميز بين الشرق والغرب ووسط أوروبا، وجهودها لتشجيع الشراكة بين دول أوروبا الشرقية مع الاتحاد الأوربي، ووزن التصويت الذي تمتلكه في المفوضية الأوربية، وعضويتها الفعالة في منظمة حلف شمال الأطلسي وغيرها من المنظمات والتحالفات الإقليمية إنما تزيد في الأهمية والاحترام الذي تحظى به بولندا على الساحة السياسية الدولية. من جانب آخر فإن المملكة العربية السعودية قد لعبت دائما دور الاعتدال بشأن القضايا الإقليمية والدولية. فالمبادرة العربية الوحيدة والحقيقية للأرض مقابل السلام قدمت عام 2002م باسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- وأقرت من الدول العربية لحل نزاع الشرق الأوسط. كما أن المملكة كعضو مؤسس في جامعة الدول العربية ومنظمة الأممالمتحدة ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وغيرها من المنظمات يجعلها ذلك تتبوأ مكان في الصدارة في الشؤون الإقليمية والدولية، إضافة لما سبق فيجب القول إنه من ضمن العوامل المشتركة بين البلدين السعي الدؤوب لما صار يعرف بحوار الحضارات. فمن ملاحظاتي خلال فترة عملي في بولندا هي الجهود المبذولة من عدة جهات أكاديمية ورسمية واجتماعية ودينية لتنظيم مؤتمرات وندوات واجتماعات عديدة وبعضها بشكل دوري تبحث في الحوار والتعرف على الثقافات الأخرى سعيا للتعايش المشترك والسلم العالمي وهو نفس سعي المملكة والذي أبرزته مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتنظيم المؤتمر الدولي الأول لحوار الثقافات الذي عقد في مدريد والمبادرة الأخيرة لإنشاء المركز الدولي لحوار الثقافات والأديان في فيينا. ولم يكن مستغربا أن تمنح الجائزة الأولى لمؤسسة ليخ فاليسا البطل القومي البولندي الذي أصبح أول رئيس بولندي منتخب بعد عهد الشيوعية في بولندا أن تمنح تلك الجائزة إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، لجهوده في إطار حوار الثقافات وأيضا لمبادراته الإنسانية. كما التقت (الجزيرة) بالسفير البولندي في الرياض السيد فيتولد شميدو فيسكي الذي أكد أن الزيارة المرتقبة لسعادة السيد دونالد توسك رئيس مجلس الوزراء بجمهورية بولندا للمملكة العربية السعودية لتعد من أرفع وأكبر الزيارات على مستوى العلاقات البولندية السعودية فرئيس الوفد البولندي رئيس مجلس الوزراء سيأتي مصحوبا بكبار رجالات الدولة البولندية من وزراء ومسئولون كوزير الاقتصاد ووزير الخارجية وعدد من الوزراء الآخرين وكوكبة كبيرة من رجال الأعمال تمثل شرائح مختلفة من مقومات الاقتصاد البولندي والشركات المتخصصة في البتروكيماويات والغذاء والمنتجات الطبية فهو بحق سيعد من اكبر اللقاءات والتمثيل البولندي للمملكة العربية السعودية وهذه الزيارة سوف تعطي دفعة دينامكية تمضي بتطور العلاقات قدما خاصة وان رئيس مجلس الوزراء سيلتقي بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومسئولي الدولة السعودية فنحن نتوقع أثرا كبيرا سوف تضيفه هذه الزيارة على العلاقات بين البلدين فاللقاء سيتخلله الحديث عن الأحداث في الشرق الأوسط فبولندا كدولة نشطة في الشرق الأوسط والمملكة كقائد للعالمين العربي والإسلامي سوف يبحثان الأمور المتعلقة بالشرق الأوسط والأحداث عن سوريا ستكون إحدى مواضيع النقاش فبولندا والاتحاد الأوروبي مهتمة وضليعة بهذا الشأن لوقف أعمال العنف والدمار وهو الموقف الذي تتبناه المملكة العربية السعودية حيث سيتبادر البلدين وجهات النظر كما سيتم التطرق إلى عملية السلام فيً الشرقً الأوسط والربيع العربي وتطوير العلاقات بين بولندا ودول مجلس التعاون الخليجي والوضع الإيراني وتأثيره على المجتمع الدولي فالزيارة سيتطرق فيها إلى جميع الجوانب وعلى مختلف الأصعدة.