أحدث حربين خاضتهما الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان فشلتا أو تفشلان فشلاً كارثياً. والآن يتم دفع الولاياتالمتحدة لخوض حرب جديدة ضد إيران وأخرى ضد سورية. حكومة إسرائيل وجماعة الضغط الأمريكية الموالية لإسرائيل أيباك (لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية) وعدد من أبرز أصدقاء إسرائيل في واشنطن يحاولون إقناع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بضرورة مهاجمة إيران لتدمير منشآتها النووية والإطاحة بنظام الحكم فيها بناء على شكوك غير مؤكدة بأن طهران تحاول الحصول على سلاح نووي. الأطراف الموالون لتل أبيب يحاولون إقناع أوباما بالسماح لإسرائيل بشن الهجوم، مع تعهد من الولاياتالمتحدة بالتدخل العسكري لمساعدة إسرائيل إذا لزم الأمر والدفاع عن تل أبيب ضد أي رد إيراني على الهجوم. من غير المحتمل أن تحصل إسرائيل على هذا الضمان لأنه بالفعل أكبر من أن يتم تقديمه. هناك أيضاً سورية التي تشهد تمردا من أجل الإطاحة بنظام أسرة الأسد التي تحكم البلاد من خلال حزب البعث منذ 1970. الحقيقة أن الأمريكيين أو الغربيين المناهضين لسلطات دمشق يريدون تدخلا عسكريا أمريكيا أو دوليا ضد الأسد. وهناك أيضاً شعور لدى الأطراف الأخرى في المجتمع الدولي المقتنعين بضرورة وجود مبدأ لدى الديمقراطيات الكبرى في العالم بالتدخل لمساندة الثورات الشعبية في مواجهة الأنظمة القمعية عندما يكون التدخل مجديا أو لحماية الشعوب التي تطالب بالعدالة والحرية. وتواجه الحكومة الأمريكية ضغوطا من جانب أعضاء بارزين في الحزب الجمهوري بما في ذلك المرشح السابق لرئاسة أمريكا جون ماكين إلى جانب الليبراليين المؤيدين لجماعة الضغط الدولية «المسؤولية عن الحماية» التي يرأسها وزير خارجية استراليا سابقا جريث إيفانز وتدعو إلى التدخل لحماية الشعوب من قمع الحكام. والحقيقة أن الأهداف النهائية لأنصار مبدأ «المسؤولية عن الحماية» نبيلة ولكن الطريق من هنا وحتى الوصول إلى هذه الأهداف مليء بالعقبات والمخاطر. ورأيي الشخصي كما قلت من قبل هو أنه يجب ترك الشعوب والمجتمعات تحل مشكلاتها وتحمل العواقب حتى إذا دخلت حروبا أهلية. اسألوا الأمريكيين: هل لو تدخلت بريطانيا أو فرنسا في الحرب الأهلية الأمريكية (رغم أن الدولتين كان لهما مصلحة كبيرة في نتائج الحرب) فربما تحولت الحرب الأهلية إلى ما هو أسوأ وربما أصبحت حرباً أكثر شمولاً واتساعاً. فالعلاقات الأمريكية الأوروبية تأثرت بالتداعيات غير المعروفة لحربين عالميتين. لقد كنت مؤيدا للتدخل الأوروبي في أزمة البوسنة والهرسك خلال الفترة من 1992 إلى 1995 لأنه كان أقرب إلى التطهير العرقي ولأن القوات الأوروبية والأممية كان لها بالفعل تفويضا محدودا بالتدخل. ولو أن هذه القوات تدخلت لتم وقف الكثير من المذابح التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين وكذلك لتم حماية سراييفو من معاناة كبيرة إلى جانب حماية صربيا وكوسوفو من التدمير الذي تعرضت له الدولتان نتيجة تدخل حلف الناتو بعد ذلك في حرب كوسوفو. وقد كان من الممكن منع أو وقف المذابح التي شهدتها رواندا لو أن حكومة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران قد أرسلت قواتها لوقف الصراع هناك. وكان التدخل البريطاني الفرنسي (بمشاركة مترددة من جانب أمريكا وأطراف أخرى) في ليبيا العام الماضي قد حقق نجاحا (غير مكتمل حتى الآن) وبقدر من الحظ انتهى هذا التدخل بصورة أسهل. وكان التدخل الأمريكي في الحرب الكورية في خمسينيات القرن العشرين (حدث أثناء وجودي في صفوف القوات المسلحة الأمريكية) مفهوما لمواجهة الغزو الكوري الشمالي المدعوم من الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت. والحقيقة أنه لم يكن مبررا إلا من وجهة نظر الكوريين الجنوبيين. والتدخل الأمريكي في حرب الهند الصينية (حرب فيتنام) كان نتيجة غياب الرؤية الفكرية الشاملة للموقف. وتحول هذا التدخل إلى كارثة لكل الأطراف. وأثناء ثورات أوروبا الشرقية التي شهدتها بولندا والمجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا 1968 لم يحاول حلف الناتو التدخل لمنع قمع هذه الثورات من جانب أنظمة الحكم الموالية للاتحاد السوفيتي لان مثل هذا التدخل كان سيتحول إلى حرب عالمية ثالثة. وفي ضوء حالة الهيستريا التي تسيطر على إسرائيل وإيران خلال الأيام الأخيرة من الصعب استبعاد احتمال حدوث مواجهة بينهما في أي لحظة. فالحرب الكارثية التي شنتها أمريكا على العراق قبل عشر سنوات تقريبا جاءت من نفس اللاعبين السياسيين ومن نفس الدعاية والأكاذيب التي تحاول تبرير الحرب ضد إيران الآن. فاليمين السياسي في إسرائيل وبخاصة حزب الليكود الحاكم وأحزاب المستوطنين وأنصارهم في أمريكا يسيطرون على المشهد السياسي في إسرائيل الآن. ويبدو أن لهذه الأطراف الآن هدفين هما، تدمير إيران كفوة عسكرية رئيسية بما يضمن لإسرائيل الاحتفاظ بتفوقها العسكري الإقليمي والثاني استكمال الاستحواذ على باقي الأراضي الفلسطينية ومواردها وبخاصة المياه. وكذلك استمرار السيطرة على الشعب الفلسطيني. ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف سلميا. خطر الحرب الآن أصبح حقيقيا بغض النظر عما يحدث. وإيران مجرد جانب من هذا الصراع في الشرق الأوسط. وبغض النظر عن معارضة أغلبية الإسرائيليين للحرب مع إيران فإن المبالغة الكارثية في نفوذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو على واشنطن وتعامله مع الحكومة الأمريكية إلى جانب الجالية اليهودية في أمريكا على أساس ضرورة تحقيق رغباته. ربما يستجيب الكونجرس الذي يخضع للابتزاز لمطالب اليمين الإسرائيلي. ولكن أغلب الأمريكيين لا يريدون الحرب بالتأكيد. كما أن أغلب أعضاء الكونجرس ممن يخضعون للابتزاز يشعرون باحتقار أنفسهم بسبب طاعتهم العمياء لإسرائيل. ولكن وزارة الدفاع الأمريكية لا تعتبر نفسها خادمة لإسرائيل. أنا لم أكن في واشنطن عندما عقدت منظمة أيباك اجتماعها السنوي. ولكن رؤيتي للاجتماع من الخارج تقول إن حكومة نتينياهو فشلت في إدراك حقيقة أن أمريكا في عام 2012 تتغير. *(شيكاغو تربيون) الأمريكية