بعد أن غادر المجلس الذي جمعه هو وخمسة من أصدقائه إذ بأربعة منهم تظهر أمارات ضعفهم وملامح غلهم , حيث شرعوا بقصفه في غيبته بوابل من نقدهم الجارح وإلصاق العيوب فيه والتقليل من قيمته، وبينما هم في غيّهم سادرون والخامس صامت لم ينبس ببنت شفة ولم يشاركهم التفكه في عرض صاحبهم مستقبحًا فعلهم كارهًا تصرفهم، وبعد أن فاض به الكيل قال لهم مستغربًا: أليس صاحبنا الذي غادر قبل دقائق هو من تتحدثون عنه! قال الجميع باستغراب: صحيح. فردَّ عليهم: لقد كان بين أيديكم. فلماذا لم تسمعوه هذا الحديث؟ ما بالكم جبنتم عن المواجهة؟! لا تقطعنَّ ذنب الأفعى وتُرسلها إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا والعجيب في هذا المشهد أن الشخص الخامس المعترض كان على خصومة مع الشخص الغائب ! ومع هذا لم تحرضه تلك الخصومة على السكوت على ذلك الإسفاف الفكري والسقوط الأخلاقي فضلاً عن مشاركتهم أو تأييدهم، ولم تدفعه للتشفي منه متخذًا من قاعدة «اعدلوا هو أقرب للتقوى» شعارًا له، وبعد تأمل في حال الأصدقاء وجد أن القاسم المشترك بين الأربعة والمظلة التي تجمعهم هي ضعف ثقتهم بأنفسهم واهتزاز صورتهم الداخلية على عكس الخامس فقد كان صاحب شخصية قوية وثقة بالنفس عالية لذلك كانت صحبة الواثقين من أنفسهم مكسباً عظيماً وشرفاً كبيراً، وقد رصدت مجموعة من المكاسب المجنية من صحبة الواثقين وهي ما تدعو لمحبتهم واحترامهم وحافزاً لنا لمزيد من الثقة والقوة الداخلية: 1- الواثق من نفسه لا يطعن من الخلف ولا يتفكه بالأعراض ولا يتصيد الأخطاء ولا ينال منك في غيبتك , وعكسه مهزوز الثقة الذي يلجأ لهذا الأسلوب لاستعراض قدرته محاولاً ردم الفجوة بينه وبين الآخرين. 2- الواثق من نفسه لا يقدم كأنموذج للكمال, فهو يتقبل النقد ويعتذر عن الخطأ. 3- الواثق تفتخر به ولا تتوقع منه أن يحرجك أمام الآخرين بسوء تصرف أو قبح مسلك. 4- الواثق ناصح في الغيب والشهادة يحب الخير للناس، فإن استنصح نصح وإن طُلب منه العون قدَّمه، وإن أَعطَى لم يمن وإن أُعطِي شَكَر وقدّر. 5- الواثق من نفسه شخص منفتح يعبر عن مشاعره وينطق بما يزعجه لا يشكو من عقد نفسية ولا يعاني إفرازات الخبرات القديمة ولن نضطر إلى التخمين للوصول إلى حقيقة مشاعره وكنه دواخله. 6- الواثق لا يستمد قوته من سقطات الآخرين ولا إخفاقاتهم، بل يتعاطف معهم ويمهد لهم طريق العودة 7- الواثق لا يصدّع رأسك من حديثه, فهو قليل التشكي والتبرم ويترفع أن يقدِّم نفسه ضحية الظروف والمؤامرات بعكس مهزوزي الثقة , فهم يصورون حياتهم على أنها مصائب تدمي العيون وكوارث تقصم الظهر , لذا تجد السخط لا يفارقهم على الأرض وساكنها. 8- الواثق يشجع ويحفز ويدعم معنويًا ويجتهد في تقديم العون فهو يعمل بقانون الوفرة , عكس مهزوزي الثقة والذين يتعاملون مع الحياة بقانون الندرة والشح. 9- مجالسة الواثق لا تتطلب الكثير من الحرص والانتباه والتركيز المجهد , فحتى لو زلَّ لسانك وألقيت بكلمة على عواهنها فسوف يأخذها على خير محمل ولن يتعامل معها بنظام (يحسبون كل صيحة عليهم). 10- الواثق يتحمل المسؤولية ويتصدى لها ولا يجيد لعبة الإسقاط الرخيصة. 11- الواثق شخص هادئ رزين يتصرف بهدوء وأناة , وهذا يجعلك في مأمن وأنت بحضرته , فلا تخشى كلمة نابية ولا هجومًا كاسحًا ولا تعليقًا سخيفًا. 12- الواثق لا يحاصرك , ولا يضرب عليك طوقًا عاطفيًا , ولا يتسول العطف , ولا يكثر عليك الاتصال أو الزيارة. 13- الواثق من نفسه شخص مريح ينثر الورد في مجلسه فلا تراه إلا مشرق الوجه تموج عليه ابتسامة لامعة , لا يحمل حقدًا ولا يحدث نفسه في خلوته بغير ما يحدث به جلساءه. 14- الواثق يعظّم من طاقتك عند مواجهتك لأي مشكلة ويحفّزك إلى الإيجابية والتفرغ للحلول لا الانتحاب والبكاء. ومضة قلم: ليس شجاعاً ذلك الكلب الذي ينبح على جثة الأسد.