إنه الشيخ الجليل محمد بن الشيخ عبداللطيف آل مبارك - رحمه الله- الذي شيَّعه أهل الأحساء يوم السبت 24-4-1433ه إلى المقبرة الشرقية المسماة مقبرة الصالحية سُميت أخيراً عند العامة بمقبرة الصالحية لكون حي الصالحية أنشئ بجوارها. وإلا فالمعروف أنها مقبرة الحزم الشرقي والمقبرة الشرقية. وكان مولد الشيخ عام 1336ه وقد ورد في الحديث: (خيركم من طال عمره وحسن عمله). وهو والد الأخ الحبيب فضيلة الدكتور قيس عضو هيئة كبار العلماء وإن كان الشاعر قديماً قال: أيها السائل عنهم وعني لست من قيس ولا قيس مني بتخفيف النون من أجل الشعر فأنا أقول: أيها السائل عنهم وعني نحن من قيس وذا قيس مني نشأ الشيخ في أسرته أسرة تجمع بين العلم والأدب؛ أعني العلوم الشرعية واللسانية ويتعبدون الله على مذهب إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الذي قال في حقه الإمام أحمد إذا رأيت الرجل يمدح مالكاً فاعلم أنه صاحب سنة وإذا رأيته يذمه فاعلم أنه صاحب بدعة. وقد نشأ أحمد في مدرسة مالك وأخذ الموطأ عن القعنبي لما فاته مالك كما قال والقواعد الحنبلية تكاد تكون هي القواعد التي قام عليها مذهب مالك. 1 - فمالك يقول بالمصالح المرسلة وأحمد يقول بها. 2 - مالك يقول بالاستحسان وأحمد يقول به. 3 - ومالك يرى أن الأصل في العقود الإباحة وأحمد كذلك. 4 - ومالك يرى أن الأصل في الأعيان الإباحة والانتفاع وأحمد كذلك. 5 - ومالك يرى طهارة روث وبول ما يؤكل لحمه وأحمد كذلك. 6 - ويأخذ مالك بعمل أهل المدينة ويأخذ به الحنابلة مع اختلاف في المدة الزمنية، ولذا ألّف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي رحمه الله كتاب (صحة أصول أهل المدينة). 7 - ويرى مالك أنَّ شرع من قبلنا شرع لنا ويراه أحمد على التفصيل لا على الإطلاق. ولهذا لما سأل أصحاب أحمد أحمد: من نسأل إذا ضاق الوقت في المسألة والنازلة قال: اسألوا أصحاب مالك. ومذهب مالك إلى عهد قريب هو السائد في مدن الأحساء وقراها وبلدان الخليج العربي. إضافة إلى المذاهب الثلاثة الحنفية والشافعية والحنابلة وكلهم على هدى إن شاء الله. لقد نشأ هذا الشيخ في هذه البيئة والمدرسة المباركة ونهل من العلم من أسرته ومن غيرها كما ذكره من ترجم له. وأخوه الشيخ العالم الأديب المشارك في السياسة بلسانه وقلمه الشيخ عبدالعزيز صاحب العينية الشهيرة. وأخوه الشيخ الزاهد العابد النحوي، بل نحوي عصره شيخنا الشيخ مبارك - رحمه الله- والد الشيخ الدكتور عبدالحميد وعبدالعزيز وحمد. فالشيخ محمد أبوقيس رحمه الله صاحب وصديق لأخي الشيخ إسماعيل رحمهم الله. المهم أنَّ هذا الشيخ عمل في الوظائف الحكومية ثم عمل في التجارة وتميز بميزات قلما توجد في غيره وهي: 1 - تواضعه الجم وأريحيته. 2 - دائم الابتسامة والبشر طلق المحيا يحب الزائرين. 3 - كريم مع ضيوفه، مجلسه يحضره جميع الطبقات وكل يأخذ حقه في المحادثة فهو لا يعرف الكبر ولا التصنّع. 4 - يحب أن يستمع أكثر مما يقول، فهو يأخذ المعلومة منك مع أنها عنده فلا يقول هذا نعرفه، وهذه خصلة طيبة رأيتها في سيدي الوالد رحمه الله. 5 - لا يظهر لنا وكأنه وصي أو واعظ كما هي حال بعض الشباب حين يدخلون مجلساً يبدأون بوعظ الناس مع أنَّ في المجلس من هو أكبر منهم سناً وعلماً وعقلاً. 6 - يحفظ الشيخ الشعر الكثير من العربي الفصيح المقفى ويحفظ الشعر النبطي فهو حاضر البديهة. 7 - قد يخطئ المتحدث وربما خطأ الشيخ فلا يقول الشيخ الصواب ما قلته أنا وهذا من حسن السياسة والمداراة التي نحن في أمس الحاجة إليها خاصة الشباب. 8 - عند الشيخ دعابة وملح على قاعدة لكل مقام مقال مع احتشام ووقار. 9 - الشيخ صاحب عبادة ولكنه يخفيها ويهتم بالأوقات الشريفة خصوصاً عصر يوم الجمعة وقد اطلعت عليها وما كان يريدني أن أدري. 10 - مازحته مرة علناً فقلت مداعباً حين أقبلت عليهم لقد زرتكم وأعلم أني ثقيل على النفس وعليكم والشاعر يقول: إذا حلَّ الثقيل بدار قوم فما للقوم إلاَّ الرحيل فضحك الشيخ وقال أنت خفيف الظل ومجلسنا بحاجة إلى مثلك ولا تقاطعنا ثم قلت بصوت خافت لم يسمعه إلاَّ الشيخ - رحمه الله- فقلت: (اللهم إني نويت أن تكون زيارتي لله وفي الله) فقال - رحمه الله- ماذا قلت؟ قلت له: (خلها بيني وبينك) رحمه الله وغفر له و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.