سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي قال في معرض تبريره لموقف روسيا الداعم لنظام بشار الأسد في حديث لإذاعة « كوميرسانت اف أم « الروسية: (إنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سوريا، فستنبثق رغبة قوية وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنِّي في سوريا، ولا تراودني أي شكوك بهذا الصدد. ويقلقنا في هذا الوضع مصير المسيحيين، وهناك أقليات أخرى كالأكراد والعلويين وكذلك الدروز).. كذا بكل بجاحة ووضوح؛ والسؤال: أليس من حق الأغلبية أن تحكم في سوريا؟.. وهل من العدل والإنصاف أن يتحكّم في سوريا أسرة تنتمي إلى الأقلية العلوية فتقتل وتبيد وتنتهك كل القيم والأخلاق لمجرّد أن يبقى الحكم في يد الأقلية.. لافروف نفسه يقول إنه طالب الأسد بالإصلاح، وأنّ سوريا بعد الدستور الجديد تتجه إلى أن تكون دولة ديمقراطية، يكون الحكم فيها لمن يأتي عن طريق صناديق الانتخاب؛ فكيف يستقيم هذا المنطق الذي يبشر بقدومه لافروف مع كونه يتخذ موقفاً مناهضاً لأن يحكم سوريا الأكثرية السنّية حسب تصريحه الأخير؟ وهذا لا يعني أنني مع الدولة الطائفية، سنية كانت أو علوية، ولكن إذا كانت المعايير طائفية كما يقول لافروف، فمن الظلم والإجحاف أن يبقى الأسد لأنه يمثل الأقلية، ويُبعد السنّة لأنهم يمثلون الأكثرية، كما لا يمكن تبرير هذا الإجراء المتعسّف على أنّ سببه الخوف على الأقليات السورية من حكم الأكثرية؛ فسوريا يحكمها السنّة منذ أن دخلها الإسلام، ولم تُضطهد فيها الأقليات؛ فما الذي جعلها تضطهد الآن؟.. هذا خارج مقاييس العدالة والإنصاف، وينسف مبدأ حق الشعوب بأن تقرر مصيرها حسب خياراتها؛ بل وينسف المبدأ الديمقراطي نفسه؛ غير أنّ لافروف على ما يبدو لم يَعُد بإمكانه تبرير جرائم النظام الحاكم في سوريا فاتخذ من ذريعة الأقلية والأكثرية مبرراً، على أمل أن يستقطب إلى صف روسيا تأييد الأقليات المذهبية والدينية والإثنية في سوريا والمنطقة التي تعجُّ بالتنوُّع الطائفي والإثني، بعد أن عجز عن تبرير موقفه المنحاز إلى نظام الأسد؛ هذا الموقف غير المبرّر سيجر بلا شك على روسيا نفسها كثيراً من التبعات والنتائج التي تجعل موسكو وكأنها تدعم أنظمة القمع والاستبداد وتُضحي بالشعوب؛ فنظام الأسد ساقط لا محالة؛ ومن العبث التشبُّث بإبقائه، ولن تستطيع لا روسيا ولا الصين ولا إيران أن تنقذه من مصيره المحتوم، وتفرضه على شعبه الذي دخلت ثورته الآن عامها الثاني ويتزايد اتساعها وتستقطب في كل يوم مؤيدين جدداً من السوريين، ناهيك عن تعاطف الشعوب الأخرى وهم يرون فظاعة المجازر التي يرتكبها النظام في أبناء شعبه. لقد ذهب الروس بعيداً وبكل بجاحة في دعمهم لهذا السفاح، ولا يمكن تبرير موقف روسيا الداعم لهذا النظام إلاّ لكونهم يخافون من أن تمتد عدوى الثورات الشعبية إلى شعوبهم، أو شعوب بعض الدول ذات الغالبية الإسلامية المتحالفة مع روسيا، والمحيطة بروسيا، والتي هي نسخة - ربما محسّنة قليلاً - من نظام الأسد؛ فأرادت أن تكون سوريا خط الدفاع الأول في وجه الثورات التي تنهب الخطى متجهة إليها؛ أما بقية التبريرات، وبالذات التبرير الأخير، فليس سوى تخبُّط إعلامي لا يمكن قبوله بأية حال. إلى اللقاء.