سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الفارس يقدم للجمعية السعودية للدراسات الأثرية تجربته في البناء باللبن والطين والأثل من خلال العمل في جامع الداخلة الأثري أكد أن جامع الداخلة بسدير امتاز بجوانب متعددة على رأسها الأروقة التي لا توجد في غيره في المنطقة!
قدم الفنان التشكيلي إبراهيم الفارس ورقة في لقاء الجمعية السعودية للدراسات الأثرية المنعقد بالرياض مؤخراً تحدث فيها عن موضوع يشغل بال التراثيين والمهتمين ألا وهو ترميم المباني الطينية والأثرية القديمة، ولم يكن حديث الفارس نظرياً بل اعتمد على تجربة لا تزال قائمة، وهي ترميم جامع بلدة الداخلة بسدير (محافظة المجمعة) وقد لقت هذه الورقة اهتماما استثنائيا من الحضور، ووجه للفارس العديد من الأسئلة والمناقشات والتعقيبات، ولأهمية هذا الموضوع فإننا نورد لقراء الوراق الكرام نص هذه المحاضرة مؤملين أن تكون مدخلاً مهما لمناقشة هذه القضية التي تشغل بال التراثيين والمعماريين والمهتمين بالمباني القديمة بشكل عام، فإلى نص المحاضرة: جامع الداخلة لا يخفى على حضراتكم أهمية التراث وأنه الركيزة الأساسية التي من خلالها تعرف حضارات الأمم وتاريخها. وتنطلق من معطياته عجلات التطور. وهو المسار الذي يميز هويتنا الحضارية عن الحضارات الأخرى المختلفة. ويعتبر التراث هو السجلات التي توثق على صفحاته ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا رحمهم الله. وكيف أنهم استطاعوا بذكائهم وصبرهم أن يبنوا بأيديهم الطاهرة أمجادهم مستعينين بالله ثم بما توفر لديهم من خامات البيئة المحلية. ليسدوا حاجاتهم دون اللجوء إلى غيرهم. وقد بقيت هذه الآثار والتراث من بعدهم محل فخر لنا وللأجيال القادمة. ومحط أنظار المهتمين في جميع أنحاء العالم فتنظم لهذه المواقع الزيارات للسياح، ويقوم الباحثون بإعداد الدراسات للتعرف على أسرارها. ويبقى من الواجب علينا الاهتمام بها وصيانتها والمحافظة عليها من عوامل الطبيعة وأيدي العابثين والجهال. وقد بدأ اهتمامي بالتراث بشكل عام والمباني الطينية بشكل خاص منذ الصغر. حيث كنت أسكن مع عائلتي في بيت من الطين وقد تعايشت مع بيوتها وسككها ومساجدها ودكاكينها والمزارع التي تحيط بها. ولا تزال مطبوعة في ذاكرتي. وأشم رائحة الطين فيها مع نزول المطر، ودخان الحطب.. وأصحوا على نغمات مكائن استخراج المياه في مزارعها. وكنت أثناء دراستي في المرحلة الابتدائية والمتوسطة أقوم برسمها وتصويرها. كما أن بدايتي كفنان تشكيلي انطلقت بالواقعية كبداية أي فنان يبدأ من البيئة المحيطة به. ثم واجهت في رسم البيوت الطينية إلى إدخال الخيال على تلك المباني الطينية وهذا الاتجاه هو مزج بين الواقع البيئي والخيال المتجدد. فكانت النتائج تأصيل المباني بأسلوب حضاري عالمي. لدرجة أن بعض زملائي من الفنانين كانوا يطلقون على هذا الأسلوب مسعى (سريالية التراث). وهذا ما دفعني إلى بذل الجهد في المحافظة عليها وصيانتها والاهتمام بها في عدة مواقع مثل الروضة والعودة والداخلة. ومن ضمن هذه المواقع جامع الداخلة القديم. ويقع هذا الجامع في بلدة الداخلة القديمة. شرقي قلعة (المدينة) التاريخية ويشغل مساحة ما يقارب أربعمائة متر مربع 400م2 ويحاط بثلاث سكك من الشرق والجنوب والغرب. أما الجهة الشمالية فملاصق للبيوت. وله ثلاثة مداخل. مدخل في الزاوية الشرقية الجنوبية والثاني في الزاوية الشرقية والشمالية والثالث تحت المنارة في الزاوية الشمالية الغربية، والسكة الغربية مسقوفة (مجبب) وفيه مجلس والقربة والتي بمثابة برادة ماء سبيل يشرب منها كل من يمر مع هذا المجبب. وعن تاريخ هذا الجامع: فهو قديم جدا وقد بني منذ أكثر من سبعمائة سنة تقريباً. وما يميز هذا الجامع عن غيره من الجوامع في المنطقة: 1- تصميمه المختلف حيث إن الخلوة تقع في مقدمة الجامع لأن الأرض التي بني عليها الجامع صخرية ولا يمكن حفر الخلوة تحت الأرض. وقد نص بحث باقي الآثار أنه لا يوجد له نظير في نجد. 2- إحاطة الجامع بأروقة مسقوفة على سواري من جهاته الثلاث: الشمالية والشرقية والجنوبية مما أكسبه رونقا وجمالا، ولا يتعرض الداخل للجامع من الجهات الشرقية والجنوبية للشمس أو المطر حتى يصل إلى المصابيح والخلوة. 3- ومن مميزاته أيضاً وجود منبر للخطب وإلقاء الدروس والمحاضرات في مقدمة السرحة الخارجية المكشوفة حيث كانوا يصلون في أيام البرد في السرحة تحت أشعة الشمس وفي الصيف ليلاً يصلون المغرب والعشاء والفجر في الهواء الطلق. 4- وكذلك من مميزات هذا الجامع مئذنته المربعة الشكل حيث إن أغلب مساجد وجوامع المنطقة مآذنها إسطوانية الشكل ويبدو أن هذه المئذنة بنيت لاحقا وبسبب ضيق المكان حيث كان يحيط بالجامع سكك ومبان فقد اضطروا إلى بناء المئذنة على زاوية الجامع الغربية الشمالية فأخذت شكلها المربع من شكل زاوية الجامع. وقد ذكر هذا لنا بعض كبار السن نقلا عن أجدادهم. 5- ومن المميزات أيضاً قصر السواري بحيث يبلغ طول السارية ما يقارب 145سم وعدد الخرز في السارية الواحدة 11 وارتفاع الخرزة الواحدة 12سم. 6- وأيضاً المدرسة ملحقة بالجامع وتقع في زاوية الخلوة الجنوبية الغربية وباب المدرسة على السكة الجنوبية ويوجد بالجامع ثلاث درج اثنتان داخل الجامع والثالثة من السكة مباشرة إلى سطح الجامع. مراحل إعادة بناء الجامع وترميم ما تبقى من الأروقة 1- بدأت الخطوة الأولى بمبادرة من أهل الخير والذين أبدوا استعدادهم للمساهمة في إعادة البناء والترميم لهذا الجامع وذلك بعد طرح الفكرة عليهم ومناقشة جميع جوانب هذا المشروع وأهميته التاريخية والسياحية وجدواه الاقتصادية. 2- قمت برسم مخطط للجامع ويشمل الخلوة والمصابيح والأروقة والمئذنة والمنبر وكذلك المدرسة الملحقة به وتوضيح مواقع الدرج والأبواب والسواري وذلك من واقع الطبيعة وبحسب معرفتي له ثم قمت بتسجيل أبعاده ومقاساته على المخطط بدقة من واقع الطبيعة مع أخذ صور فوتوغرافية لجميع جوانب الجامع قبل رفع الأنقاض وذلك لضمان توثيق شكله وأبعاده. 3- تم رفع الأنقاض بعناية بواسطة الشيول دون الوصول إلى الأساسات، وجمع ما يمكن الاستفادة منه في إعادة البناء مثل: خرز السواري وحجر الكمراث (القرون) وتيجان السواري وفروش السقف. 4- ثم قام العمال بكشف الأساسات بالمعدات اليدوية وبكل عناية وتحديد مواقعها مثل السواري وأساسات الجدران وإزالة المتضرر منها، وتطبيق المقاسات المدونة على المخطط على الأساسات التي تم كشفها يدوياً والتأكد منها. 5- تم جلب تربة طينية جديدة وعمل اللبن منها. وكذلك جلب حجر وتأسيس الجدران بالحجر والأسمنت بارتفاع 80سم وذلك منعاً لوصول رطوبة الأرض وخاصة أثناء الأمطار للأساسات مما يؤدي إلى تسبخها. 6- إعادة بناء السواري بالخرز المستخرج من الأنقاض بعد تنظيفه وجلب ما نقص من الخرز. وعمل التيجان بالحجر المستطيل الشكل ثم كمرها بالحجر المستطيل (القرون) وذلك على شكل مثلثات على الشكل السابق ومطابق للأروقة المتبقية. 7- بناء الجدران الخارجية من اللبن والطين المخلوط بالتبن لزيادة تماسكه وكذلك بناء الأروقة فوق السواري باللبن والطين حتى توازي الجدران الخارجية والجدار الفاصل بين الخلوة والمصابيح وكذلك بناء المدرسة الملحقة بالمسجد وهي عبارة عن غرفة مستطيلة 4.5×3م وتفتح على السكة مباشرة. 8- جلب خشب الأثل حسب الأطوال المناسبة وهي 4م ونصف. وتم سقف الخلوة والمصابيح بالخشب ثم صف الفروش فوقها ثم عمل طبقة من الطين فوق الفروش وذلك لتسكير الفتحات بين الفروش ثم دفنها بالتربة لعمل منسوب، وبعد ذلك طبقة من الملاط ثم طبقة من الأسمنت ثم عمل عازل مائي من رولات البلاك ثم طبقة من الملاط مع الغراء وتصريف أمطار السطوح. 9- مشاش الجدران بالطين مع التبن والغراء من الداخل والخارج وكذلك مشاش جدران المدرسة مع عمل الديكورات بالجبس وذلك حسب الشكل الموجود في الجامع سابقاً كما ذكره كبار السن. 10- تركيب الأبواب وأعمال الإنارة وتنظيف الأرضيات مع عمل ملاط للأرضيات بميول لتصريف الأمطار إلى خارج الجامع بعد تركيب مرازيم خشبية. 11- استصلاح السكك المحيطة بالجامع وتدبيشها بالحجر مع عمل ميول وذلك لتسهيل الوصول للجامع والمحافظة عليه مع عمل وزرة أسفل الجدران. 12- إعادة تأهيل الدلو (مكان الوضوء) الخاصة بالجامع من الجهة الشرقية وإيصال المياه إليها وبناء جدران الحويط مع غرس نخل وإحيائها كما كانت سابقاً مع إعادة تأهيل الطريق من الجامع إلى الدلو وتأهيل البير وبناء الجدار المحيط بها لحمايتها وعمل المحال والرشاء والدلو. 13- إعادة ترميم المقصورة والتي استخدمت كمئذنة للجامع لرفع الأذان من خلالها في فترة من الفترات قبل بناء مئذنة الجامع وهي تقع في الجهة الغربية الشمالية ويفصلها عن الجامع المجيب الغربي بعرض 3.5م ويبلغ ارتفاعها 7 أمتار تقريباً. 14- إعادة بناء المجبب الغربي والذي سقفه مربوط بجدار الجامع الغربي ويبدأ من الجنوب بمحاذاة محراب الجامع إلى أن يصل المقصورة شمالاً بطول اثنا عشر متراً تقريباً حيث كان لحماية الداخل للجامع من الجهة الشمالية والغربية من الشمس والمطر وكانت تعلق القربة في هذا المجبب لسقاية المارة. كما يوجد في هذا المجبب مجلس لكبار السن واستراحة للعابرين من هذا المجبب. تجربتي تكسية الحوائط المسلحة بالطين الأهداف 1- تغطية الحوائط الداخلية والخارجية المسلحة بشكل ولون تراثي مميز. 2- التحكم في سماكة ولون وشكل المشاس المستخدم على المباني المسلحة. 3- تقليل التكلفة باستخدام خامات من البيئة قليلة الثمن وبتقنية عالية. 4- إتاحة إمكانية الإبداع من خلال التحكم في الخامات المستخدمة في الديكور المراد تنفيذه. 5- استشعار أهمية الوعي نحو التراث والاهتمام به وتطويره. أريد أن أعرض على حضراتكم تجربتي في استخدام الطين على المباني المسلحة حيث إن هذه التجربة نجحت بنسبة 70% تقريباً وهي كما ذكرت لكم تجربة لا تزال قابلة للتطوير وجديرة بالاهتمام. تتمحور هذه التجربة حول تكسية المباني المسلحة القديمة أو المبنية حديثاً بالطين وإظهارها بشكل تراثي جميل. هذه التجربة ليست بديلا عن البناء باللبن والطين ولكننا نضطر أحياناً إلى تكسية المباني المسلحة بالطين لأن هذه المباني تكون مجاورة لمباني طينية أو تكون في أماكن تراثية ويصعب علينا إزالتها فنجد أنفسنا مضطرين للتعامل معها بطريقة تجعل منها عنصراً ملائم للجو العام للمكان ومنسجماً مع البيئة التراثية للموقع. وهذا ما دفعني لعمل هذه التجربة والاهتمام بها ومحاولة تطويرها. وهاأنذا أعرض على حضراتكم هذه التجربة وكلي أمل في حضراتكم أن تولوا هذه التجربة اهتمامكم وأن تسعوا إلى تطويرها. عرض التجربة وتتلخص هذه التجربة في الخطوات التالية: 1- بعد تنظيف الحوائط المسلحة من الأتربة والتكسيات المهترئة وغسلها تعمل طرطشة خشنة جداً على الأسطح بالأسمنت والرمل الخشن وليس الناعم كالمعتاد مع إضافة مادة السيكا وفي حالة عدم اكتفائها تعمل الطرطشة على مرحلتين وترش بالماء مرتين يومياً لمدة 4 - 5 أيام حتى تصبح صلبة كالمسامير. 2- يحضر المشاش كالتالي: تربة طينية ناعمة وخالية من الشوائب تخلط بالتبن المدروس وشيء من سماد الغنم ويحوض ويغيل بالماء لمدة 10 - 15 يوما في كل يوم يخلط ويحوض ويغيل بالماء إلى أن يتغير لونه إلى البني الداكن ويكون له رائحة وملمسه لزج. 3- تؤخذ كمية من الطين المغين بمقدار عربية وتخلط بغراء الخشب المحلول بالماء بنسبة 1 غراء 5 ماء ثم يقلب الخليط ويمش به سطح الجدار بنفس طريقة مشاش الجدران الطينية بحيث يضغط العامل بيده على الطينة أثناء المشاس حتى تتغلغل الطينة داخل خشونة الطرطشة وتتماسك معه وتركه حتى يجف. تعمل روبة من التربة الطينية الناعمة مضاف إليها الغراء المخفف وتدهن بها الجدران الممشوشة بعد جفافها وذلك لتسكير الشقوق والفتحات لمنع دخول الرطوبة والمطر بين المشاش والجدران ثم تدهن الجدران بالغراء المخفف وجهين حتى نضمن تسكير الشقوق وبهذا نكون قد أنهينا العمل. كلمة أخيرة وفي الختام أشكر الجمعية السعودية للدراسات الأثرية على استضافتي في لقاء الجمعية الثالث وفتح المجال لي للتحدث عن تجربتي في بناء جامع الداخلة. وكذلك أشكر القائمين على هذا التجمع والإخوة الحضور حسن إنصاتهم وتفاعلهم وإبداء آرائهم حول ما تم طرحه. ونسأل الله أن يجعل هذا التجمع مبارك ونأمل من خلاله أن تتلاقح الأفكار وأن نستفيد من خبرات بعضنا البعض وأن نسعى إلى تطويرها. والشكر كذلك موصول لكل من ساهم معنا مادياً ومعنوياً في بناء هذا الصرح التاريخي وإنني من خلال هذا المنبر المبارك أدعو الإخوة المتخصصين والمهتمين من خبراء ومهندسين إلى أن يسعوا إلى تطوير خامات البناء بالطين وإدخال المواد التي تزيد من صلابتها ومقاومتها للعوامل الجوية بطريقة علمية. وأن تتبنى هذا الموضوع جهات رسمية أو مؤسسات تجارية قادرة على تمويل الأبحاث العلمية واحتضانها وتطويرها والاستفادة من معطياتها. مما يوفر الكثير من الأموال التي تصرف على إعادة ترميم المباني القديمة والتراثية مرة بعد مرة بطرق بدائية حتى لو استدعى الأمر إلى جلب خبراء من الخارج ونحن على استعداد للتعاون معهم وتزويدهم بما لدينا من تجارب. كما أدعو الإخوة المهندسين والباحثين في هذه الجمعية وطلاب الجامعة إلى زيارة موقع العمل لدينا في جامع الداخلة والاطلاع على خطوات العمل فيه والاستفادة من هذه التجربة والمناقشة حول تطوير المناطق المحيطة بالجامع وطرح أفكارهم وتحديد الخطوات اللاحقة حسب الأولويات.