تلقيت تعليقا من أحد القراء وأظن أنه من معلمي التربية الفنية المهتمين بالفن التشكيلي ومن المثقفين في هذا المجال من خلال اطلاعه ومتابعته واهتمامه الخاص بمادته وبتخصصه. يقول القارئ العزيز الذي لم يشر إلى اسمه في التعليق الذي نشره على الزاوية السابقة في موقع الجزيرة على النت (لماذا وزارة التربية والتعليم تصدر كتب ومناهج للفنية ويوقف تخريج المعلمين من أقسام كلية المعلمين، والوضع للوراء)، وكان التعليق إشارات، كما أراها منها التساؤل حول قيام وزارة التربية بإصدار منهج للتربية الفنية وفي الوقت نفسه توقف تخريج معلمي التربية الفنية بكليات المعلمين، والأخير يحتمل توقعا أن أقسام التربية الفنية في الجامعات أصبحت كافية لهذه المهمة (التماس للعذر)، لكنني أعود لأقف عند موضوع المنهج الذي تحدثت عنه في زاوية سابقة في الوقت الذي تسلم المعلمون نسخا منه تلقيت وقتها اتصالات تحمل ملاحظات تشير إلى وجود ثغرات في المنهج، قوبلت وجهة نظري حولها باتهام من أحد معدي المنهج (أنني من الجيل السابق الذي لم يعد يعي واقع التربية الفنية الحديث) وهذا كاف للقناعة بمستوى ما يحمله هذا المعد للمنهج من ثقافة وقدرة على الحوار وقبول الرأي الآخر، وكنت أشرت إلى أن مثل هذا المنهج لا يمكن تطبيقه إن لم يكن هناك إمكانيات للتنفيذ كما أن المعلم للفنون لا يشابه معلم الرياضيات وغيرها من المواد التي يحدد فيها الموضوع لوجود مساحة من الحرية عند معلم التربية الفنية للابتكار كون ما يتعامل به ومعه في مجاله ليس قالبا لا يقبل تجاوز حدوده وإنما يتطلب الديناميكية والتعامل مع لحظة الإلهام واقتناص الفكرة التي قد تحدث في أي لحظة بناء على الهدف أو الموقف وما يطرأ من جديد في عالم الفنون، ليجعل منها موضوعا أو مجالا للإبداع مع طلبته وتلامذته أو بما يراه مناسبا من أفكار هؤلاء الطلبة. وبهذا التحرر من قيود المنهج سنكتشف إبداعات جديدة بعيدة عن التشابه أو التكرار الذي يضمه المنهج من عند مطالبة المعلم بتنفيذ ما جاء فيه، ولا أنسى ما جاء في المنهج من دروس تستوجب استخدام أدوات حادة كالمشرط والمقص في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية، (كيف سيكون المشهد حينما يخطئ الطفل في استخدام تلك الأدوات مع نفسه أو مع زميله)، ولا ننسى ما تعانيه المدارس من نقص وشح في الخامات والأدوات وفي المراسم (القاعات التي تقام فيها ورش الأعمال الفنية ). لقد لامس القارئ جرحا قاربت على نسيانه لكنها الذكريات ومحبتي وعشقي لمادة عملت لها أكثر من خمس وعشرين عاما تشرفت بأن الكثير من تلامذتي أصبحوا إما فنانين أو مهندسين أو عشاق للفنون التي تشكلأجمل حالات التجلي والتأمل. أما عن الفقرة الأخيرة في تساؤلك (الوضع للوراء) أشاركك الإحساس بنعم فمادة التربية الفنية لا تزال آخر اهتمامات مديري المدارس (وغيرهم) وإن وجد لها غرف في المدارس الغير مستأجرة فستكون عرضة للاستفادة منها لأنشطة وفعاليات أخرى لا مجال لكشفها يعلق أصحابها على تلك الغرف عبارات غريبة وعجيبة منها (فنجال وعلوم رجال) فقد يرون أن ما أسست من أجله تلك الغرف (التربية الفنية) ليست من علوم الرجال، لهذا أقول كفانا تباكيا فهذه حال المبدعين.