تلقيت تعليقاً من القارئ (فؤاد) كما جاء في توقيعه على مقال سابق أشار في التعليق إلى موقفه من التوجيه والوعظ والفتوى التي تأتي منقوصة أو مغيب فيها الجانب الحسن، يقول الأخ فؤاد: (إن بعض الأساليب الخاطئة في التوجيه الديني قد تتسبب في إعاقة العديد من جوانب الحياة، ممثلاً ذلك بقصة حدثت لشاب قريب له، موهوب في الرسم لدرجة أنه يستطيع رسم أي شيء تراه عينه بدقة، وبعد بضعة سنوات رآه وسأله عن موهبته فى الرسم فاحمر وامتعض وجهه، وقال (تاب الله علينا)، وأشاح بوجهه بعيداً عنه كما لو أنه ذكر بآثام وذنوب ارتكبها، ويضيف الأخ فؤاد أنه عندما سأل أحد الأقارب قال نصحه الشيخ بأن يتوقف عن الرسم ويتوب) انتهى. وأنا هنا لست مفتياً ولا واعظاً، لكنني كفرد في مجتمع إسلامي، تلقيت تعليماً محصناً بالقيم الدينية السمحة، يحق لي بها إبداء وجهة النظر في ما يلامس مجالاً تربوياً تلقيت فيه تعليماً متخصصاً، جمع في مناهجه كل المواد التي تؤهل معلم التربية الفنية أن يقدم وجبة نافعة ومن بينها المواد الدينية، للمساهمة في تربية الفرد كما هي التربية الإسلامية، والتربية الاجتماعية، والرياضية إلى آخر المنظومة، لأتحدث عن كيفية التوجيه والنصح مع إبقاء الفائدة في مثل هذا الموقف مع شاب يمتلك موهبة الأصل فيها (الإباحة) لا تحتاج سوى التوجيه ليستفيد منها فقد تكون مصدر رزق لهذا الشاب من بيع لوحاته أو أن يكون مهندساً معمارياً يصمم المنشآت بخيال مبدع موهوب أو مصمم ديكور، هذا الموقف أعادني لسنوات مضت كنت فيها معلماً للتربية الفنية واجهت وعدد من زملائي من المعلمين في مختلف مناطق المملكة معارك في وجهات النظر مع من يدعي نصف العلم الشرعي من معلمين حرموا الرسم وبثوا هذا التحريم في عقول التلامذة ومطالبتهم عدم إحضار أدوات حصة التربية الفنية (الأقلام والكراسات وألوان) مقابل وعدهم بدرجات أعلى في المواد الدينية، فهذه المادة حرام، ناهيك عن تمزيق أولئك المعلمين لكل ما يعلق في غرف الدراسة من رسم لوسائل إيضاح علمية تمثل ذوات أرواح، فقط تحريم دون تفصيل، هذا الفكر أبقانا في دوامة بين الحقيقة وعكسها في زمن كاد أن ينفرط فيه عقد الفتوى في شفاه تتمادى بما تجهل، أتيحت لهم الفرص في المدارس والتجمعات فوئدوا المواهب والإبداعات. أخيراً اسمح لي أخي فؤاد أن استحضر ما كنت أتلقاه من أحد أعمامي يرحمه الله من المشائخ المعروفين ممن تلقوا العلم وحصلوا على مؤهلاته العليا، وعمل بها قاضياً من إشادته عندما أقيم معرض، أو تساؤله عن غياب أخبار معارضي الفنية مع أنه لا يحضرها أو يشاهد شيئاً منها ولكنه كان يهمس قائلاً: (احرص على أن يكون في عملك ما ينفعك وينفع الناس).. هكذا هم أولئك الرجال وهكذا هم أمثالهم في هذا العصر.