المتأمل لواقع الحركة التشكيلية في المدينةالمنورة يقف حائرا أمام تناقض هذا الواقع بين ما يحققه فنانو وفنانات المدينةالمنورة من إنجازات على مختلف الأصعدة وبين ما تمتلكه المدينةالمنورة من مقومات تعينها على أن تحتل هذه المكانة المتميزة على المستوى التشكيلي. ولعل من أهم هذه المقومات هو وجود قاعات العرض التشكيلية والتي تعد همزة الوصل بين الفنان والمتلقي بحيث تحقق بذلك للفنان حاجته الالتقاء بجمهوره وللمتذوق رغبته التواقة إلى المتعة الجمالية والمعرفة. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن دائماً هو كيف يمكن أن تفتقد المدينةالمنورة لقاعات عرض رسمية أو أهلية وهي المدينة التي مارست التشكيل منذ أن بدأت الحركة التشكيلية في المملكة بشكلها المنظم واستمرت طيلة هذه السنوات في مقدمة المدن الفاعلة والمؤثرة في الحركة التشكيلية. وهذا الغياب غير المقنع لقاعات العرض يفسر لنا ظاهرة الأمية الثقافية التشكيلية لدى عدد غير قليل من العامة في المدينةالمنورة ويفسر لنا أيضاً ظاهرة تكدس الأعمال الفنية لدى منتجيها من الفنانين وبقائها حبيسة المراسم لا ترى النور إلا في مناسبات محدودة لتعرض على استحياء في إحدى الزوايا البعيدة بأحد المجمعات التجارية والتي كانت لسنوات طويلة مضت تمثل الخيار الوحيد المتاح لعرض الأعمال التشكيلية. ولهذا تبقى قضية الحاجة لقاعات العرض التشكيلية في مقدمة اهتمامات فناني المدينةالمنورة وموضع نقاشاتهم في مجالسهم الخاصة والعامة. وفي هذا الشأن تحدث إلينا الفنان التشكيلي سامي البار قائلاً بأن وجود قاعات العرض من سمات المدن الحضارية، وعدم توفرها في المدينةالمنورة لا يتناسب أبدا مع كونها ثاني أهم المدن الإسلامية وأكثرها حضارة. وعن إقامة بعض المعارض مؤخراً في قاعة المكتبة العامة قال إن ذلك لا يتناسب مع خصوصية الأعمال التشكيلية ولا يساعد على انتشار الحركة التشكيلية في المنطقة.. الفنانة التشكيلية فاطمة رجب أمين الهيئة الإدارية لفرع الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بالمدينةالمنورة قالت بأن خلو المدينة من صالات العرض يحد من تبادل الثقافة التشكيلية و يحبط الفنان والمتلقي في آن واحد مما يدفعهما إلى السفر لمدن مجاورة من المملكة كلما أمكن ذلك للمشاركة أو لمشاهدة المعارض ولذلك لا غنى عن وجود صالة عرض دائمة وفي الوقت نفسه لا أرى مانعاً من عرض الأعمال الفنية في أي مكان يليق بالعرض المهم في الأمر إيصال الرسالة للمتلقي كما هو الحال عندما يتم العرض داخل المجمعات التجارية والتي يتواجد أعداد كبيرة من الزوار لمختلف فئات. الفنان الدكتور ماجد الرويثي قال بأن أسباب الركود الفني وتحديداً في العشر السنوات الماضية يعود إلى عدة أسباب من أهمها عدم توفر قاعات عرض مناسبة و غياب روح التنافس بين الفنانين و عدم وجود رعاة حقيقيون يمتلكون الوعي والثقافة التي تمكنهم من احتضان المواهب. وعن إقامة المعارض داخل المجمعات التجارية قال بأنها لا تخدم الحركة التشكيلية بالشكل المطلوب لعدة اعتبارات منها قصر فترة العرض كما أن المتلقين في تلك المجمعات معظمهم من صغار السن أو العوائل التي لم تحضر أساساً بهدف التذوق الجمالي بل بهدف التسوق والترفيه عن النفس كما أنها تشهد غياب النقد البناء والهادف في تلك الظروف لعدم توفر الأكاديميين والمتخصصين. وفي هذا الشأن يضيف الفنان والأكاديمي الأستاذ خالد براده عندما لا يجد الفنان دار عرض تشكيلية متخصصة لعرض تجربته الإنسانية يكون هنالك انقطاع في السلسلة الثقافية الفكرية فالمجتمعات تحتاج إلى رؤية النتاج الفني لتقوية تذوقهم الفني والحد من الأمية التشكيلية و الفنان عندما يعرض في المجمعات التجارية الضخمة يقترب من المتلقي وهذا شيء رائع. الفنانة التشكيلية وجدان حلواني عبرت عن رغبتها في إيجاد قاعات خاصة للعرض الفني تليق بالفنان وتخدم الفن لأن غياب هذه القاعات قد تسبب في ركود فني تشكيلي ودفع بالكثيرين للسفر خارج المدينة للبحث عن فرصة للعرض أما عن العرض داخل المجمعات التجارية فهي فكرة جيدة كونها تتيح عدد أكبر من الزائرين ولكن لا أرى أنها ترفع من قدر الفن و الفنان. إلا إذا توفرت داخل المجمع صالة مهيأة ومجهزة تماماً للعرض بمعنى أن تكون هناك صالة عرض دائمة وليس ممر للعبور. الفنان أحمد البار نائب رئيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية بالمدينةالمنورة قال: كانت صالة إبداع هي الصالة الوحيدة الموجودة في المدينةالمنورة وبالرغم من أنها كانت تزاول نشاطها بشكل محدود إلا أن الأمل كان يحدونا بزيادة نشاطها وتفعيلها بشكل أفضل إلا أنها ألغيت تماما الأمر الذي يعد خسارة كبيرة لفناني المدينة لذ ا فإن أغلب الفنانين اتجهوا إلى عرض أعمالهم في المراكز التجارية وذلك لاستقطاب عدد أكبر من الزوار وهذا شيء جيد ولكن يبقى لصالة العرض أهميتها الخاصة وطبيعتها المميزة. الأستاذ ماطر بن عبيد الله العمري مدير المكتبة العامة بالمدينةالمنورة تحدث عن استضافة صالة الأنشطة الثقافية بالمكتبة العامة بالمدينةالمنورة لبعض المعارض التشكيلية بالرغم من كونها غير مهيأة لذلك بأن تلك المعارض ساهمت في تفعيل الصالة، و فتح قنوات تواصل بين المكتبة والمجتمع من خلال زوار المعرض عامة والوسائل الإعلامية التي تغطي المناسبة. كما أنها تدعم الفنانين التشكيليين وتشجيعهم وإتاحة الفرصة لهم لعرض تجاربهم الفنية أمام الجمهور للاطلاع عليها والاستفادة منهم وإن أخذ على هذه المعارض طول فترة العرض مع ضعف الإقبال من الزوار للمعرض بالإضافة إلى ضعف الدعاية والإعلان عن هذه المعارض من قبل أغلب المنظمين يقابله ضعف في التغطية الإعلامية من قبل وسائل الإعلام أثناء وبعد الافتتاح.