سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. أبا الخيل: لم يكن الملك عبدالعزيز باحثاً عن مُلْك أو جاه فهدفه من توحيد المملكة تطبيق شرع الله وإشاعة العدل عرض لكتاب (قبسات مضيئة من حياة الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -) تأليف أ.د. سليمان أبا الخيل (1-2)
تشكِّل سيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - مؤسس المملكة العربية السعودية منهلاً عذباً لا ينضب، وقاعدة أصيلة، تُمثِّل كياناً متكاملاً من القيم والمبادئ والأصول المبنية على تعاليم الدين الإسلامي القويم وعلى الأخلاق العربية الأصيلة. يقدِّم معالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل، مدير جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، في هذا الكتاب (قبسات مضيئة من حياة الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -) إضاءات قيّمة من سيرة هذا الملك الجليل، الذي أعاد توحيد وبناء هذا الوطن الذي ما زلنا نعيش تحت ظلاله، ونتنعم بثماره. يؤكد هذا المعنى معالي الدكتور سليمان أبا الخيل في مقدمة الكتاب بقوله: «فإن من نِعَم الله - عز وجل - علينا وعلى المسلمين بل وعلى جميع العالم أن يسَّر ومكَّن إقامة دولة المملكة العربية السعودية، التي كانت بدايتها باسترداد الرياض عاصمة السلم والسلام والإسلام، منبع الحب والوئام، على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن القائد المجاهد الفاتح المكافح، الذي وحَّد الجزيرة، وجمع شتاتها، ولمَّ شملها على التوحيد والمعتقد الصحيح والمنهج السليم، بعزمه القوي، ونيته الصادقة، وإخلاصه المشهود، وصبره المعهود، وشجاعته وفطنته، وذكائه وحكمته، ونفوذ بصيرته، وأمله الكبير، ومحبته لدينه وعقيدته وبلده وأهله، محققاً بذلك المعجزات، ومحتملاً المشاق والمكائد والمدلهمات. ولهذا نقول: إن المتأمل لتاريخ بلادنا الحبيبة المباركة المملكة العربية السعودية (بلاد الحرمين الشريفين) يرى ويطلع على ما يسره، وتقر به عيناه، ويثلج صدره، ويجعله متفائلاً، يتطلع إلى المزيد من العطاء والنماء، والتقدم والرقي؛ لأنها بلد العقيدة الصحيحة، والمنهج السليم، وبلد الأمن والأمان، والطمأنينة والاستقرار، ورغد العيش وتطبيق شرع الله وتنفيذ أحكامه وحدوده، لا يعرف لها نظير في جميع بلدان العالم في ذلك، قريبة كانت أو بعيدة، يشهد بذلك العدو قبل الصديق، ويقر به القاصي والداني؛ فحمداً لله وشكراً له على ما أنعم به علينا من نِعَم عظيمة، وآلاء جسيمة. إنه منذ أن التقى الإمام محمد بن سعود الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله -، وتعاهدا على الجهاد في سبيل الله، وإعلاء كلمته، والدعوة إليه، وانطلاقاً من عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، الذي بذل نفسه وماله ووقته وولده من أجل توحيد الجزيرة، وجمع شتاتها، وجمع كلمتها، والتوفيق بين أبنائها، وتحكيم شرع الله فيها، في وقت كانت أحوج ما تكون إلى ذلك، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - قائد مسيرة هذه البلاد وباني نهضتها، وهذه البلاد في عزة ومنعة، وقوة وثبات وازدهار، ولا غرابة في ذلك ما دام أن ولاة أمرنا ينطلقون في حكمهم وأحكامهم ومعاملاتهم وتصرفاتهم ومواقفهم من المصدرين الأصليين، والمنبعين الصافيين للإسلام: كتاب الله وسُنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه السلف الصالح لهذه الأمة (عقيدة، وشريعة، ومنهجاً، وأخلاقاً)، التي لا عز ولا نصر ولا تمكين إلا بالأخذ بها والسير على نهجها وهداها، قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وقال - صلى الله عليه وسلم- (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسُنّتي). ومن هنا جاءت تلك النظرة الثاقبة، والانطلاقة الصائبة، والسياسة الحكيمة المبنية على الأصول الثابتة، والقواعد الراسخة لهذه الدولة من قِبل ولاة أمرها في دفع عجلة البناء، وبذل كل ما يستطاع من إمكانات مادية ومعنوية من أجل خدمة المواطن وإسعاده، والسهر على راحته، وتهيئة الجو المناسب له في كل ما يحتاج إليه في حياته اليومية، فردية كانت أو جماعية، حتى أصبح المواطن السعودي يشار له بالبنان، وينظر إليه نظرة تقدير واحترام؛ حيث أصبح رجل العقيدة الصحيحة، والعلم والأخلاق والآداب العالية، والأفكار والآراء الناضجة، له صولة وجولة في كل ميادين الحياة؛ فهو لله عابد، وله راكع ساجد، وفي العلم بارع، وفي الفضاء رائد، وفي البحار غواص، وللخير سابق، وفي كل مجال متمكن وفائق. إن بلادنا تُعَدّ في مقياس الأمم والبلدان قارة مترامية الأطراف، متباينة الأجناس، مختلفة التضاريس والأحوال، وبتوفيق من الله العلي القدير، ثم ما قام به الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأبناؤه من بعده، من حمل راية التوحيد، والقيام على شرع الله، أصبحت كأنها قرية صغيرة، أهلها متحابون، متعاونون، متكاتفون، متآلفون، لا يمكن لأحد أن يدخل بينهم، أو يؤثر عليهم، وستظل على ذلك -بإذن الله - رغم ما يكيد لها الكائدون، ويدبر لها الأعداء والحاسدون، ما دام رائدها عقيدة التوحيد الصافية، ومنهج السلف الصالح، وخدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان. ومن أجل هذا وذاك يجب على كل ابن من أبناء هذه المملكة أن يعتز ويفتخر، ويسخّر جهده ووقته لخدمة دينه وعقيدته ووطنه، وإن كلفه ذلك الغالي والنفيس، وأن يعتقد اعتقاداً جازماً، ويقتنع اقتناعاً تاماً بأن أيامها كلها - بإذن الله - أيام عز ومنعه وأمجاد، لا تقف عند حَدّ، ولا يؤثر فيها كبيرة ولا صغيرة. إن ما كان الملك عبدالعزيز عليه من صفات وخلال، وما قام به من أعمال، وما نطق به من أقوال لم يكن متكلفاً، أو مملى وفق ظروف وأحوال معينة، أو مقصوداً لتحقيق أمر من الأمور، بل كان طبيعياً، يعبِّر عن سجية من سجاياه، وعادة من عاداته التي تربى عليها منذ صغره، حتى خالجت روحه، وبلغت مداها في قلبه وعقله، ووصلت إلى مكامن العزة في نفسه؛ فتفجرت حُبًّا وعطفاً، وانبعثت ألفة ومودة، وتمخضت حناناً وشفقة ورفقاً، فازدانت بالعطاء، وتوشحت بالبذل والسخاء، واندفعت إلى فعل الخيرات وبذل الندى، وإغاثة الملهوف، وإعانة المحتاجين، والعطف على ذوي الحاجة والمعوزين، والوقوف بقوة وصلابة أمام كل خلاف واختلاف، وبذلك سمت وارتفعت إلى معالي الأمور، وبلغت شأواً عالياً رفيعاً، ومنزلةً متميزة، ومكانةً مرموقةً حتى صارت محط الأنظار، وموطن عز وافتخار، ومضرباً للأمثال، ومحلاً للإعجاب، من الناس جميعاً على مختلف مستوياتهم، وتنوع أجناسهم، وتباين ثقافتهم ومعلوماتهم، يتلذذ العوام بالحديث عنها، وتذكر أيامها، ويتلهف الباحثون والكتّاب، ويشتاقون إلى الكتابة عنها، ويتسابقون في تقييد مآثرها ومفاخرها، ورصد تاريخها ومسيرتها؛ ليطلعوا الأجيال الحاضرة والقادمة على مجدها، ويستخلصوا لهم منها الرأي الرشيد، والمنهج السديد والعِبَر والعظات المضيئة، فتنير طريقهم، وتدفعهم بثبات وشموخ إلى مستقبل مشرق وواعد، فيعملون بكل أمانة وإخلاص من أجل الحفاظ على عقيدتهم والدفاع عن بلادهم، ويبذلون كل ما يستطاع من أجل رقيها وتقدمها، ومسايرتها لمستجدات العصر وفق قواعد وضوابط الشرع الحنيف. وإن رجلاً مثل الملك عبدالعزيز لم يكن يبحث عن مُلْك يمتلكه، أو جاه يحصله، أو دنيا يصيبها، أو مصلحة خاصة يحققها، وإنما يبحث عن الحق، وإقامة العدل وتطبيق الشرع، ونفع الخلق، ونشر الفضيلة، وما كان ليقتصر على نفسه في ذلك، بل تعداها، وسخرها لخدمة دينه وأبناء أمته، وتربيتهم على الفضائل، وتعويدهم على كل محمود من الشمائل. لذا فقد عزمت - متوكلاً على الله - بالمشاركة في هذا الميدان بكتابة بحث يجلي شيئاً من حياة الملك المؤسس الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -». يتمتع جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بقدرات خاصة، يسَّرت له إرساء أسس متينة ثابتة مرتكزة فيها على سُنّة الله ورسوله؛ لذا فهي لا تفرق بين الناس، ولا تحول بينهم وبين حكامهم. هذا الأساس المتين الذي رسخه هذا الملك المؤسس، وسار عليه أبناؤه البررة من بعده، من أهم جوانب شخصيته؛ لذا فهي جديرة بالدراسة والتحليل. وفي هذا الكتاب الذي أنا بصدد عرضه وتحليله يتحدث الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل في أول فصوله عن (أسس العلاقة بين الحاكم والمحكوم في المملكة العربية السعودية التي وضعها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وسار عليها أبناؤه من بعده)، وخلاله يكشف عن الأصول الشرعية لهذه الأسس التي رسخها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ويؤكد ذلك بقوله: «فإن السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصية مجمع على وجوبهما عند أهل السُّنة والجماعة، وهو أصل من أصولهم التي باينوا عنها أهل البدع والأهواء، وقَلَّ أن ترى مؤلفاً في عقائد أهل السنة إلا وهو ينص على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإن جاروا وظلموا، وإن فسقوا وفجروا، وإن مبدأ السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية له لوازم وواجبات تجب على الرعية تجاه الراعي، سطرها علماء الأمة من السلف والخلف في أقوالهم وأفعالهم ومؤلفاتهم». كما يشير معاليه أيضاً إلى واجبات الإمام نحو رعيته بقوله: «فإن الشريعة وضعت قواعدها، وأرست أصولها، وذلك في نصوص الكتاب والسُّنة، وما فهمه أئمة السلف منها فطبقوه على الناس، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل...) الحديث». ويشير معاليه أيضاً إلى حالة الأمن والأمان في المملكة العربية السعودية بقوله: «وبما أن المملكة العربية السعودية دولة السلم والسلام والإسلام، ودوحة الأمن والإيمان، وموطن الطمأنينة والاستقرار ورغد العيش؛ فقد أسسها القائد الفاتح البطل المجاهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - صاحب الرأي السديد والمجد التليد على عقيدة التوحيد، ومنهج السلف الصالح مطبقاً شرع الله وأحكامه، ومنفذاً حدوده، منطلقاً في ذلك من كتاب الله، وسُنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما أُثر عن علماء هذه الأمة، فقد حرص - رحمه الله - وكرَّس جُلّ اهتماماته على أن تقوم العلاقة بين القائد وأفراد أُمّته على هذه الأسس الربانية، والمبادئ السامية، مع ما واكب ذلك من إخلاصه المنقطع النظير، وصدقه المعهود، وولائه ومحبته الظاهرين لعقيدته، ودينه، وبلده، وأبناء وطنه». وفي إطار حديث معاليه عن العلاقات بين الحاكم والمحكوم يناقش عدداً من النقاط، هي: علاقة الحاكم بالمحكوم، وفيها يؤكد أن هذه العلاقة يجب أن تكون على أساس الكتاب والسُّنة، وعمل السلف الصالح من الصحابة ومَنْ جاء بعدهم، وأن الحاكم يجب أن يراعي أحوال رعيته، وأن يبذل قصارى جهده لتحقيق مصالحهم الدينية والدنيوية، وأيضاً يلزمه الرحمة والحب لهم. ويوضح أن ما يحقق ويوثق العلاقة بين الحاكم والمحكوم المخالطة والمعاشرة، وأن يتفقد الحاكم أمور رعيته، ويستشهد في هذا السياق بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي كان لا ينام حتى يدور في المدينة؛ وذلك بحثاً عن المحتاجين كما يُروى في قصصه المشهورة. ويسترسل معالي الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل في حديثه عن هذا الموضوع ليشير إلى (علاقة المحكوم بالحاكم)، ويوضح أن هذا النوع من العلاقة يجب أن ينطلق مما انطلق منه النوع الأول؛ ليبين الاتصال الوثيق بينهما، وأن على الرعية أن تطبّق ما جاء في الكتاب والسُّنة في علاقتها بالحاكم، كالطاعة في غير معصية الله سبحانه وتعالى، وأن على المحكومين تعظيم الحاكم واحترامه؛ ليكون ذلك مؤدياً للهيبة اللازمة لاستقرار الأمر، ويجب أن تكون المحبة والولاء والثقة أساس العلاقة بينهم وبينه؛ ليتمثل على ذلك بأفعال السلف الصالح - رحمهم الله -. بعد ذلك ينتقل للحديث عن (حقوق الحاكم على الأمة وواجباته)؛ ليشير إلى حقوق السلطان والخليفة على الأمة، موضحاً أنها عشرة حقوق كما يذكر ابن جماعة، أولها: بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً في كل ما يأمر به أو ينهى عنه، إلا أن يكون معصية. وثانيها: بذل النصيحة له سراً وعلانية. ثالثاً: القيام بنصرته باطناً وظاهراً. رابعاً: أن يُعرف له عظيم حقه وما يجب من تعظيم قدره. خامساً: إيقاظه عند غفلته، وإرشاده عند هفوته. سادساً: تحذيره من عدو يقصده بسوء. سابعاً: إعلامه بسير عماله الذين هو مطالب بهم. ثامناً: إعانته على تحمل أعباء مصالح الأمة. تاسعاً: رد القلوب النافرة عنه إليه. عاشراً: الذب عنه بالقول والفعل. ليدلف المؤلف بعد ذلك للحديث عن (حقوق الأمة على الإمام وواجباتها). وفي هذا الشأن يؤكد معاليه أن حِمْل الإمام ثقيل، وواجباته كبيرة، لا يستطيع القيام بها على وجهها الأكمل إلا أولو العزم من الرجال؛ لذا كانت أعظم القربات عند الله لمن احتسب القيام بها، وقصد التقرب إليه تعالى. بعد ذلك يذكر أهم الواجبات على الإمام، ويقسمها إلى واجبات أساسية وفرعية، ويختزل الأولى في (السعي إلى تحقيق مقاصد الإمامة)، ويذكر في الثانية (استيفاء الحقوق المالية لبيت المال، والاهتمام بأهل الحق والعدل، والإشراف على تدبير الأمور، والرفق بالرعية والنصح لهم، وأن يكون الإمام قدوة حسنة لرعيته). ومما يتميز به هذا الكتاب أن مؤلفه معالي د. أبا الخيل انتقى شيئاً من رسائل الملك العزيز التي تشير إلى حرصه على إحقاق الحق ورفع الظلم؛ حيث يستشهد برسالة من رسائله - رحمه الله - إلى أحد أمرائه يقول فيها: «من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل.. وفقنا الله وإياهم لطريق الهداية، وجنبنا وإياهم طريق الغواية.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ذلك: تفهمون ما مَنّ الله به علينا من نعمة الإسلام والأمن والراحة والخير الكثير، وما صرف عنا بفضله ورحمته من الكفر والضلال، نرجو من الله أن يوزعنا وإياكم شكر نعمه، وينصر دينه، ويعلي كلمته.. وبعد هذا: فقد بلغني ما كدر الخاطر وهو أنه يوجد ناس من أذناب البادية من جماعتكم وغيرهم تركوا الصلاة، وفعلوا المنكرات، وربما أن البيت والبيتين والثلاثة ما يؤذن فيها، مع إظهار بعض المنكرات، وهذا مما يوجب غضب الله وعقابه، والراضي كالفاعل، ونحن الحمد لله مقدرنا الله على تقويم شرائعه وسُنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-...»، وفي هذا النص يبيّن المؤلف حرص جلالته على إقامة أمور الدين وعدم تهاونه فيها، وهذا أساس لا يمكن أن يتنازل عنه - طيب الله ثراه - أو يتهاون فيه. ويكشف معاليه في نص آخر تحديد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - حقوق الراعي والرعية وواجبات الرعية على الراعي في أقواله وأفعاله، ويتجلى ذلك في قوله: «إن على الشعب واجبات، وعلى ولاة الأمر واجبات. أما واجبات الشعب فهي الاستقامة ومراعاة ما يرضي الله ورسوله، ويصلح حالهم، والتكاتف والتآزر مع حكوماتهم للعمل بما فيه رقي بلادهم، وأمتهم، وينصحونهم ويخدمونهم، ويقومون بكل ما فيه مصلحة المسلمين وقائدهم. إن خدمة الشعب واجب علينا؛ ولهذا فنحن نخدمهم بعيوننا وقلوبنا...». ويتحدث معالي الدكتور أبا الخيل بعد ذلك عن تمسك المؤسس بمبادئ الشريعة وأصولها وأحكامها؛ لأنه يعلم علم اليقين أن التمسك بها والقيام بواجبها سبب العزة والنصر والتمكين. وفي هذا السياق يتطرق المؤلف إلى صلة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بالله تبارك وتعالى، وأنه كان مصلحاً ما بينه وبين ربه عز وجل؛ ولهذا أصلح الله ما بينه وبين الناس كافة، وأنزل محبته في قلوبهم. كما استوقف معاليه أيضاً في هذا الفصل من الكتاب حب الملك عبدالعزيز -رحمه الله- للعلم وحرصه على نشر المعرفة، وأن ذلك كان نتاجاً لغرس مبارك ونشأة طيبة في بيئة صالحة تربى فيها. كما تطرق أيضاً إلى مكانة العلماء عند جلالته، وأنه كان يقدمهم على إخوانه وأبنائه وكبار جلسائه، ويصغي إلى آرائهم، ويبالغ في احترامهم، ويذكر بعض أقوال جلالته في هذا الشأن. بعد ذلك ينتقل معاليه للحديث عن مرور مائة عام على توحيد المملكة العربية السعودية، ويستشهد بكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، التي ألقاها نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض سابقاً، وزير الدفاع حالياً، رئيس اللجنة العليا واللجنة التحضيرية للاحتفال بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، والتي ألقاها بقصر الحُكْم بالرياض في الخامس من شهر شوال للعام 1419ه، والتي استحضر خلالها نعمة الإسلام التي مَنّ الله بها على أهل هذه البلاد، وجهد الملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله - في توحيد هذه البلاد واسترداد الرياض في الخامس من شهر شوال عام 1319ه - 1902م اللبنة الأولى في تأسيس المملكة، مؤكداً أن الحكم في هذه البلاد يقوم على تطبيق كتاب الله وسُنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب يتكلم معالي الدكتور أبا الخيل عن (الإيمان وأثره في حياة ومسيرة الملك عبدالعزيز - رحمه الله -)؛ ليصور الإيمان وأثره في نفس المؤمن الصادق، ويؤكد أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عُرف بقوة إيمانه وعمق صلته بالله - عز وجل -، وأثر ذلك في مجرى حياته وتحقيق آماله، وأن ذلك كان سبباً في استرداد مُلْك آبائه وأجداده، وأن ما حصل له من نصرة وتمكين وعزة ومنعة ورفعة وعلو شأن بسبب قوة إيمانه بالله عز وجل. ليعود د. أبا الخيل مرة أخرى لمناقشة التزام المؤسس بتعاليم الدين الحنيف، وأنه كان لا يخرج ولا يحيد عنها قيد أنملة مهما كانت الظروف، ويستشهد بقوله: «دستوري وقانوني ونظامي وشعاري دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإما حياة سعيدة على ذلك، وإما موتة سعيدة»؛ فالعقيدة الصحيحة كانت بمنزلة السراج الذي يضيء له حياته، ويكشف له مدلهمات الأمور، وتحقيق دين الله وتطبيق الشريعة السمحة كانا هدفه الأساس من توحيد هذه البلاد ولمّ شتاتها. ويستشهد أيضاً بمقولة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز: «إن أهم خصلة في الملك عبدالعزيز هي إيمانه بالله قبل كل شيء». ويؤكد أيضاً سموه هدف جلالته السامي حين يقول: «هدف الملك عبدالعزيز هو إقامة دولة تحكّم كتاب الله وسُنّة رسوله». وفي الفصل الثالث من هذا الإصدار الشامل يتحدث معالي الدكتور سليمان أبا الخيل عن (البر والصلة وأثرهما في حياة الملك عبدالعزيز -رحمه الله -)، ويفتتح هذا الفصل بقول الله تبارك وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً}. وبيّن معاليه أثر هذه السجية في حياة الملك عبدالعزيز؛ فهو لم يخرج لاسترداد مُلْك أجداده وآبائه إلا بعد أن وافق والده على ذلك بعد أن دعا له بالنصر والتوفيق، ولما قدم الإمام عبدالرحمن الفيصل بعد غياب دام 11 عاماً عن الرياض استقبله الملك عبدالعزيز على مسافة ثلاثة أيام من الرياض، وبعد أن استقر الإمام عبدالرحمن أرسل له عبدالعزيز يقول: «الإمارة لكم، وأنا جندي في خدمتكم...»، وكان من عادة الملك عبدالعزيز زيارة والده كل صباح، وكان والده في صدارة المجلس، إضافة إلى أنه - رحمه الله - كان يصطنع تجاه أبيه سلوكاً متواضعاً إلى أبعد الحدود، كما ينقل المؤلف عن محمد أسد، ولم يكن جلالته يخرج لغزاة أو غيرها إلا بعد أن يستأذن والده، ومن أبرز هذه المواقف التي يرويها د. أبا الخيل قصة الملك عبدالعزيز الذي كان مع والده الإمام عبدالرحمن وهو يطوف بالبيت العتيق مع ابنه الملك عبدالعزيز - رحمهما الله - وكان الأب قد بلغ من الضَّعْف والكِبَر مرحلة لا يقوى معها على المشي، فطاف بعض الأشواط، فأدركه الإعياء، فسقط على الأرض، فما كان من الملك عبدالعزيز إلا أن حمله بيديه، وطاف به حتى أكمل بقية الأشواط، ولم يأمر أحداً من خدمه أو مرافقيه بذلك بل حمله بنفسه؛ ما يدل على بره بوالده - رحمهما الله -. ومن هذه المواقف التي يذكرها معاليه أيضاً في هذا الفصل من الكتاب خبر بلوغ الملك عبدالعزيز وفاة الإمام عبدالرحمن - رحمهما الله - وتأثره تأثراً عظيماً، وحزن حزناً شديداً، حتى أنه رفض طيلة يومَيْن أن يرى أحداً، ولم يتناول طعاماً ولا شراباً، وكان يقضي وقته بالصلاة، من بره لوالده - رحمهما الله -. ويختم المؤلف هذا الفصل بسلوك الملك عبدالعزيز - رحمه الله - تجاه أقاربه؛ فقد كان رغم مشاغله يبرهم ويتفقدهم ويسأل عنهم ويزورهم، وكذلك حاله مع عامة رعيته. أما الفصل الرابع (العدل وأثره في مسيرة الملك عبدالعزيز -رحمه الله -) ففيه يكشف المؤلف عن العدل في حياة الملك عبدالعزيز، وكيف أنه كان أساساً لمُلْك الملك عبدالعزيز وحكمه، فالجزيرة قبل توحيدها على يده كان يسودها الظلم والجور حتى هيأ الله لها قبل أكثر من مائة عام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، الذي رفع راية التوحيد، ونشر العدل والإخاء بين المسلمين. يتبع...