أعلن الصندوق العقاري عن برنامج «ضامن»، وهو كما يظهر لي أربعة برامج في برنامج واحد. فالصندوق العقاري يعمل كشركة تأمين على القروض العقارية ككل فيكون دوره مشابهًا لدور هيئة الإسكان الفدرالية الأمريكية، كما أنه يعمل كشركة تأمين على ضمان دقة توقيت الدفعات الشهرية مشابهًا بهذا دور شركة جني ماي الحكومية الأمريكية. والبرنامج الثاني: هو بيع الصندوق للرهون العقارية على البنوك بقيمة مُخفضة تصل إلى النصف تقريبا. وأما البرنامج الثالث، فهو برنامج تخلص الصندوق من متابعة سداد الديون. وأما البرنامج الرابع هو برنامج تهيئة السوق المالية السعودية لدخول مجال التطوير في سوق الرهون والسندات. وقبل تفصيل ما سبق يجب التنبيه أن ما يسمى بهامش المرابحة أو الإجارة، ما هي إلا فوائد أُعيد حسابها، لكنها لخطأ منطقها تكون غير منضبطة فتصبح مُخادعة لا تميز بين التمويل ذي الكلفة العالية أو المنخفضة. فمثلا تمويل من غير دفعة أخيرة وبنسبة مرابحة أو إجارة ثابتة تتغير كلفته الحقيقية بتغير مدة التمويل. فهامش مرابحة 4% لخمس سنوات محسوب على أساس فائدة 7.42%. وإن كان لعشر سنوات فهو محسوب من فائدة مقدارها 7.11%. وأما لخمسة عشر سنة فهو محسوب من فائدة مقدارها 6.82%. وأما إن كان لثلاثين عامًا فهو محسوب على أساس فائدة مقدارها 6.18%. والمواطن لا يميز ويعتقد أن الأول أرخص بينما هو الأغلى. وكل هذا على افتراض عدم وجود رسوم أو حيل تمويلية وهي بالمئات، فهندسة التمويلات بحر لا ساحل له يعتمد على الابتكارية ومستوى قوة فرض الرقابة في السوق التمويلية. وعودة إلى التمويلات العقارية، فهي اليوم عندنا تدور حول معدل فائدة من 7.5% إلى 8.5%. وكما بينت سابقًا فإن خداع هامش الربح وحيل هندسة التمويلات تجعلنا نمتنع عن استخدام هامش الربح أو الإجارة التي تعلن عنه البنوك عندنا. ولكن النتيجة واحدة، وهي أن هامش المرابحة أو الإجارة في التمويلات العقارية يتراوح كلفته بين معدل فائدة من 7.5% إلى 8.5%. فلماذا هي مرتفعة عندنا بينما هي منخفضة في أمريكا مثلا! حيث إنها تدور حول 4.5% ثابتة لثلاثين عامًا مثلا أي هامش ربح أو إجارة 2.74%! السبب يعود أكثره إلى عدم وجود أنظمة الرهن العقاري تنظم سوق الرهون وتخفف من المخاطرات وتضمن الحقوق بالإضافة إلى عدم وجود سوق السندات وكذلك عدم وجود برامج حكومية لدعم تمويل الإسكان. وقد كتبت شارحًا لهذا كثيرًا في مقالات في الاقتصادية والجزيرة، وخطوة الصندوق العقاري اليوم هي خطوة مبشرة بخير وتدعو إلى التفاؤل بفتح باب التسهيل والتيسير على الناس وبداية توعية المجتمع وتدريب البنوك على فنون التمويل وهندستها. وعودة إلى برنامج ضامن، فالصندوق العقاري كان يقرض 500 ألف تسدد على أقساط سنوية لثلاثين عامًا دون فوائد، ولو أنه وضعها في سندات أمريكية لثلاثين سنة لأعطته متوسط 4% فوائد سنوية (اليوم هي أقل من 3%). (وهذه مقارنة ظالمة لأن القروض الحكومية للأفراد فيها مخاطرة تعثر عالية، وهي مناسبة للثقافة هنا لأنها تمثل التضخم المتوقع المستقبلي). إذن ف 500 ألف التي يسددها المواطن على ثلاثين سنة قيمتها اليوم بالنسبة للصندوق باعتبار فائدة السندات الأمريكية أو التضخم هو 288 ألف. فالصندوق إذن يخسر على الأقل 212 ألف في كل قرض يسدد على مدى ثلاثين عامًا دون فوائد. فإذا ضمن الصندوق القرض وتوقيت سداده، مع هندسته لموديل تحوطي حول حد معين لمخاطرة ارتفاع أسعار الفائدة ومخاطرة شح السيولة التي قد يواجهها البنك مستقبلا (كأن يكون قدم له أداة خيار بالمبالغ المقرضة وعلى الفوائد المتفق عليها في الموديل) قد يصل الصندوق بهذا الموديل التمويلي في هذه الحالة مع البنك في برنامج ضامن لمعدل فائدة 4% أي نصف معدل الفوائد اليوم. وآلية التنفيذ تكون بعد ذلك بأن البنك يسجل على المواطن 500 ألف ريال يسددها شهريًا لثلاثين عامًا فتطلع على المواطن بدون فوائد. ولكن البنك في الواقع لا يدفع إلا 288 ألف ريال ويأخذ 212 ألف ريال من الصندوق، بينما المواطن يسدد 500 ألف للبنك هي في الواقع قيمة الفوائد للبنك (212 ألف) لإقراضه المواطن 288 ألف على أساس 4%. برنامج «ضامن» هو قطرة في محيط هندسة التمويلات، ستكون بداية خير كثير إن شاء الله، ولكن أين العسكريين عن هذا؟ فهم من أحق شرائح المجتمع بهذه الأنواع من الدعم الحكومي وأنسبها. فالمسكوت عنه في برامج الدعم بالهندسة التمويلية أن الصندوق العقاري يعتبر من البرامج الأكثر كلفة على الحكومة من بين جميع المؤسسات الحكومية التي تقوم ببرامج كهذه، و تكون هذه البرامج الأقل كلفة عندما تطبق في المؤسسات العسكرية.