فيما نراقب معاناة قادة الأعمال في سبيل التأقلم مع «المقياس الجديد» للاقتصاد العالمي، لا يسعنا التفكير سوى في النقلة الاقتصادية التي بدأتها الهند منذ ما يقارب العشرين عاماً، حيث أنّ التغيرات التي كافحت الهند من أجل التعامل معها مثال تباطؤ النمو الاقتصادي وازدياد العولمة، والبيئة السياسية المضطربة، هي جلّ ما يصف الأسواق العالمية اليوم. ونحن على قناعة بأنّ مشوار الهند (الذي لم يكتمل) يقدّم دروساً قيّمةً حول إدارة النمو والتغيير. والجدير ذكره أنّ الهند قد انطلقت برحلة الانتقال من كونها اقتصاداً محمياً إلى أقصى درجة إلى اقتصادٍ أكثر تحرراً إبان التسعينات. وقد أُجبر قادة الشركات آنذاك على التأقلم مع التغيرات السريعة عند الجوانب التالية: أ)المتنافسون: سارعت الشركات المتعددة الجن سيات لدخول السوق المحلي فيما لم يكن سوى عدد محدود من الأطراف المحلية مستعد لمنافستها. ب)الأنظمة: شهدت البيئة التنظيمية لاسيما في القطاع المالي، تغيرات مهمة أتت على شكل تقلبات على مستوى العملة الهندية وانحسار ضوابط الصرْف وتعديلات على الكثير من هيكليات الرسوم. ج) المستهلكون: أجبرت الطبقتيْن المتوسطة والعليا السريعتي النمو الشركات على التجاوب معها أو الحكم عليها بالتأخر، حيث أنّ وتيرة هذه التغيرات وتداعياتها لم تترك مجالاً للقيام بالأبحاث المستمرة أو التوصل إلى توافق. ومن هنا، نستشفّ أنّ وراء كل نظام قيادي صارم، سلوك معيّن ومشترك ما بين الشركات التي كُتب لها النجاح، نذكر منها: د) التخلي عن سلوك التغيير التدريجي؛ عندما تكون استمرارية إحدى الشركات على المحك، تعود كافة الأفكار «المجنونة» التي تم التخلّي عنها في وقتٍ سابقٍ لتظهر من جديد على طاولة النقاش الجدي. فالتصدي للتحديات القائمة على مستوى الكمية والتوزيع وقابلية تحمل التكاليف يدفع نحو اعتماد أفكار جديدة.الاستثمار في الأشخاص. مع قدوم الشركات المتعددة الجنسيات إلى الهند، كان لا بد لهذه الأخيرة أن تطوّر مواهب وتكافح بشراسة للحفاظ عليها. والشركات الرابحة هي تلك التي استثمرت في أنظمة موارد بشرية متينة وبرامج تطويرية، وفي مقدمتها شركات تكنولوجيا المعلومات، وذلك بقدر ما كان نموها يعتمد على حجم أعمالها خارج حدود الهند. توثيق التزام الأطراف المعنية. في ظل سعي الشركات خلف رؤوس الأموال في الأسواق العامة وعمليات الإدراج في البورصات العالمية، كان لا بد لها أن تنقل رؤيتها ليس إلى الشركة فقط إنما إلى الدولة أيضاً. وبالنسبة إلى الشركات التي تقوم بمشاريع في الخارج، فاقتضى عليها الدأب من أجل الفوز بثقة العملاء والشركاء الذين يتعاملون مع الهند للمرة الأولى. ويذكر أنّ هذه العملية قد تطلبت ثقافات مؤسساتية متينة.وتاريخ الهند هو خير برهان على التحديات التي يطرحها التغيير – وعلى الرغم من المكاسب التي يمكن أن تطال أعداداً كبيرة من الناس، إلا أنّه لا يمكن اعتبار أي من الإصلاحات «غير قابل للعكس». كذلك يسلّط تاريخ الهند الضوء على الواقع القائل بأنّ الاستعداد لتبني التغيير والقيادة الصارمة قادران على تحسين «المقياس الجديد» ليكون أفضل من القديم. (ديبا براهالاد هي مستشارة في الشؤون الإستراتيجية وكاتبة تعمل بالتعاون مع رافي ساونيه).