سقط نظام زين العابدين بن علي في تونس، وبعده نظام حسني مبارك في مصر، وربما سنشهد تغييرات في هيكليات بعض أنظمة العالم العربي لتتحول إلى أنظمة ديموقراطية أو عسكريّة... أو ربما فوضويّة! ولكن بالعودة إلى فهم عوامل التغيير التي أطاحت بالنظامين التونسي والمصري، يرى المحللون أن الأسباب تراوحت ما بين تحميل سياسة أميركا في المنطقة هذا الوزر وصولاً إلى التأخر في تحقيق عملية السلام وغير ذلك. وقلائل هم الذين تطرقوا إلى الإدارة غير العادلة للاقتصاد، لئلا نقول السيئة، والتي كان لها دور رئيس وأساس في إشعال الفتيل. صحيح أن كلفة التغيير في مصر كانت باهظة (نحو 300 مليون دولار يومياً)، ولكنها زهيدة أمام ما ينتظر الاقتصاد المصري من نمو في ظلّ خطط التنمية الموعودة. واليوم ليست هناك صلة مباشرة بين طبيعة النظام والآفاق الاقتصاديّة، فالصين لديها أعلى معدل نموّ اقتصادي في العالم (نحو تسعة في المئة سنوياً في السنوات ال 10 الماضية) وهي غير ديموقراطيّة لأن السلطة في يد الحزب الشيوعي الصيني. وفي المقابل هناك البرازيل، وهي دولة ديموقراطيّة ومعدل النمو فيها يفوق معدل النمو في أكبر ثلاث دول أوروبية رئيسة مجتمعة، أي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. فالمستقبل الاقتصادي في العالم العربي يجب أن يرتكز الى نقطتين أساسيتين هما الضمان الأبرز لنجاح أي تنمية. الأولى، تأسيس دولة القانون، فالازدهار الاقتصادي ليس مرتبطاً بطبيعة النظام بل بمدى احترام هذا النظام للقانون، إذ عندما يقف المواطن العادي والمسؤول تحت سقف قانون واحد، تعود الثقة إلى المستثمرين ورجال الأعمال. فالمنافسة الشريفة والقانونية والشفافة مؤشر إلى نمو اقتصادي لا مفر منه. ويكفي أن نعلم أن مؤشر الفساد الذي تصدره «منظمة الشفافية الدولية» ويتألف من 10 درجات، يصنف مصر حالياً في الدرجة 3.1، وأمامها 97 بلداً. وتونس في الدرجة 4.3 وأمامها 58 بلداً. أما البلدان المتطورة اقتصادياً، فمؤشرها مرتفع مثل الولاياتالمتحدة (7.1)، وسويسرا (8.7)، والدنمارك (9.3). الثانية، التأقلم السريع مع ما يدور حولنا في العالم من متغيرات اجتماعية واقتصادية، فالعالم اليوم أكثر تعقيداً من ذي قبل، ويكفي أن نتعظ مما حصل عام 2007 من تغير سريع وفجائي في الوضع الاقتصادي العالمي أدى إلى تغيرات اقتصادية جذرية في بعض البلدان. فمثلاً، للمواد الأولية، كالنفط والغاز والسكر والرز والقمح، أسعار عالمية تتحكم في النمو الاقتصادي لبلدان كثيرة، وضروري أن تكون للأنظمة مرونة وسهولة في التعاطي مع متغيرات السوق. في بعض الدول، حيث الانتقاد حذر (إن لم يكن معدوماً) والصحافة تخضع للمراقبة، يمكن أن تستمر السياسة الخاطئة لسنوات من دون أن يجرؤ أحد على لفت نظر المسؤولين. وهذا ما حصل مع الصين في الماضي، فالنظام الصارم وغير المتحرك للحزب الشيوعي أدى إلى سياسات كارثية أفقرت الشعب الصيني إلى حد المجاعة. ولم تبدأ الصين بالنهوض إلا بعد اعتمادها سياسة السوق أو الرأسمالية الاقتصادية الخاضعة لسلطة الحزب الشيوعي. وتفسح في المقابل الحريّة المتاحة في العالم الغربي في المجال أمام مناقشة الأفكار، واعتماد أفضلها من قبل الحكومات. وفي حال تغيرت أوضاع السوق، تكون الصحافة أول من ينبه إلى ذلك. يقول الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد أمارتيا سين: «لا تحصل مجاعة في بلد نظامه ديموقراطي وصحافته حرة». فالديموقراطية ليست دائماً أسرع طريق للوصول إلى معدلات نمو مرتفعة، لكنها أفضل الطرق لتجنب الكوارث. إن مقياس نجاح أي نظام في هذا العالم المضطرب اليوم، هو قدرته على مواجهة المستجدات الاقتصادية والتأقلم معها بسرعة. يكفي أن نعلم أن اليورو أُسعِف في ساعات عندما قرر المجتمعون تأسيس صندوق إنقاذ بمبلغ 750 بليون يورو قبل طلوع فجر اليوم التالي. سيختار الشعبان المصري والتونسي قريباً نظامين جديدين لبلديهما، سيكون كل منهما سائقاً جديداً لحافلة الدولة. أما المعياران الأساسيان لنجاح هذا السائق فهما، أولاً، أن يحترم قوانين السير، وثانياً، أن يصغي إلى صوت الركاب عندما يأخذ الطريق الخطأ. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية