يلحظ كل متابع ارتفاع وتيرة العتب والقسوة لدرجة أقرب للعدائية في قصائد شعر الغزل في الآونة الأخيرة، وتحديداً في لحظات الفراق وتأويل أسبابها. وعلق أحد الظرفاء (الطقاق والمقاشر وصل قلوب العشاق التالين وزاحم الحب الله لا يبلانا)، فما أن تقرأ في الغالب قصيدة غزلية تبحث من خلالها عن تجليات العاشق ووجدانياته التي تأخذك عالياً لتنسى مع القصيدة كل ما سوى أجواء حب شاعرها الحالمة، حتى تفاجأ بمزاجية شاعر يتجاوز الوحدة العضوية الحالمة في النص والتداعيات والأخيلة والرموز والصور إلى عدائية المحبوب بمفردات فضفاضة في بعض مضامينها ونعوتها السيئة كالخيانة والجحود وما إلى ذلك!! فهل هو حب التملك بعيداً عن إيثار حب العاشقين الأزلي؟!! وتفعيلاً لنص - وبضدها تتميز الأشياء- يقول مجنون ليلى: خليليَّ لا والله لا أملك الذي قضى الله في ليلي ولا ما قضى ليا قضاها لغيري، وابتلاني بحبها فهلاّ بشيءٍ غير ليلى ابتلانيا أو قول جميل بثينة: يهواكِ، ما عشت الفؤاد، فإن أمت يتبع صداي صداكِ بين الأقبرِ ما أنتِ، والوعد الذي تعدينني إلاّ كبرق سحابةٍ لم تمطرِ وكذلك في الشعر الشعبي لطالما كان وصف فراق المحبين لبعضهما كبيراً في درجة احترامه كما هو حبهما.. بعيداً عن كل ما يشوبه من محبطات اليأس يقول الشاعر أحمد الناصر الشايع: إن مشى في صفاة الضلع والاّ شعيب كل خدٍ وطاها تنبت الزعفران كيف أبدله عقب فرقا العشير الحبيب قرّب الموت منّي والله المستعان ويقول الشاعر عبد الله بن عون: تردعني الشيمه عن الشوم واللوم واخاف من شيءٍ يمس الكرامه وأنا على الهسّات مانيب متكوم والسلم الأول ما أقدر أخلف نظامه أقفيت قلبي بين الأضلاع مجزوم جزم العسيب اللي تقارب صرامه وكذلك الشاعر مرشد البذال - رحمه الله - يعاهد المحبوب بالوفاء حتى في لحظات الفراق المؤثرة لأي سبب: قولوا لزين العود ياللي تجونه مخيّره ربه بكل إمخلوقي وإن سايلك قلّه ولا لك مهونه سدّه بصندوق الضمير إمغلوقي إلى أن قال: أنا عرفت الحب كوده وهونه ماني بتوي ماضياتٍ طروقي أما أن ينقلب شعر الغزل في لحظات الفراق - رأساً على عقب إلى عدائية - فهذا مطلب من يعارض واقع المقولة المشهورة (لا ورده من غير شوكه) (There is not rose without a thorn).