يعتقد البعض أن رسوم الإغراق مفهوم علمي أو اقتصادي مثل الدعم أو الضرائب النظامية أو غيرها، ولكنه في حقيقته مصطلح انتقامي تنتهجه بعض الدول التي تخشى على منتجاتها المحلية من القدرة التنافسية المرتفعة من منتجات أجنبية مستوردة بسوقها المحلي.. وتعتبر المنتجات البتروكيماوية السعودية من أهم المنتجات العالمية التي عانت من مرارة فرض رسوم الإغراق أو إقامة دعاوى إغراق ضدها ليس طرف معين، ولكن من قبل أطراف عديدة ومتنوعة، بعضها يوصف بالدول الصديقة للمنتج السعودي، وبعضها الآخر بغير الصديقة. في البداية كنا نتحدث عن الهند، ثم الصين، فأمريكا والاتحاد الأوروبي وكندا والصين وتركيا، والبرازيل. كلها دول تحمي منتجاتها الوطنية بقيود حمائية رمادية. الأمر المستغرب أن الصين تعتبر من أكثر الدول التي تغرق منتجاتها الأسواق الخليجية والعربية ككل، ولم نشهد حتى الآن دعاوي من هذه الدول ضد هذه المنتجات الصينية التي تخترق أسواقنا العربية بسهولة بأسعار، تقل عن أسعار حتى عن بيعها بالصين نفسها. ومصدر الخطورة في قضايا الإغراق أنها إن نجحت فيها الدول المرفوعة من قبلها ضد السعودية، فإنها قد تشجع دولا أخرى لانتهاج نفس النهج ضد الصادرات السعودية.. إن هذه الدعاوي المزعومة تهدف إلى الوقوف حجر عثرة أمام الصادرات السعودية، وعلى رأسها المنتجات البتروكيماوية.. وتستند هذه المحاربة إلى مزاعم أن هذه الصادرات تنتمي لمنتجات تم تصنيعها بدعم حكومي متمثل في تحديد أسعار متدنية لأسعار بيع الغاز الطبيعي السائل لمصانع البتروكيماويات داخل السعودية طبقاً للاعتبارات التجارية والمشمول بقرار مجلس الوزراء السعودي رقم 260 وتاريخ 23-10-1422ه. لذلك، فإن هذه الدول تسابقت منذ عامين تقريبا في مسارين : الأول فرض رسوم حمائية متباينة ما بين 4.5% بالصين أولا، رغم أنها كانت ستصل إلى 21% أولا، وتعتبر الهند من أكثر الدول التي شرعت في فرض رسوم حمائية وصلت في بعض الفترات إلى 22% على منتجات البولي بروبلين تحديدا.. والثاني تمثل في رفع دعاوي إغراق تهدد دخول هذه المنتجات المحلية أو تقلص تنافسيتها. الصادرات السعودية ومخاطر دعاوي الإغراق بلغ حجم الصادرات السعودية خلال 2010م حوالي 941.8 مليار ريال، منها حوالي 82.3 مليار ريال منتجات كيماوية، أو ما نسبته 9.0% .. وقد استحوذت الصين على المرتبة الثالثة ضمن الدول الأعلى استيرادا من المملكة، حيث بلغت الصادرات السعودية إلى الصين نحو 112.2 مليار ريال، بما يعادل 12% من إجمالي الصادرات السعودية، في حين بلغت صادرات المملكة إلى الهند حوالي 71.9 مليار ريال بما يعادل 8% .. والأمر الملفت للنظر أن المملكة تستورد من الصين بحوالي 46.8 مليار ريال، وتستورد من الهند بحوالي 15.1 مليار ريال. فدعاوي الإغراق كانت ستهدد الصادرات السعودية، مما يسبب خسائر فادحة لها، قد تصل إلى خسارة أسواق بأكملها، فعلى سبيل المثال محاولة فرض رسوم جمركية على مادة تريفثلات البولي إيثيلين (P.E.T) من الصادرات البتروكيماوية السعودية إلى أوروبا، كان يمكن أن يتسبب في خسائر كبيرة قد تفضي إلى خروج الشركات السعودية من السوق الأوروبي ككل.على النقيض، فإن هناك جانبا هاما يحتاج إلى استغلاله، وهو الخسائر الكبيرة التي تلحق بالقطاع الصناعي السعودي جراء الإغراق من المنتجات الأجنبية، وعلى رأسها المنتجات الصينية، ويُعد النظر في مثل هذه القضية أمرا هاما من جانبين، لأنه يُجنب المنتجات الوطنية المنافسة غير العادلة من جانب، ثم أنه يوازن الدعاوي المزعومة التي تقيمها شركات صينية ضد المنتج السعودي. ويقدر (تقرير منظمة الخليج للاستشارات الصناعية 2003) الخسائر السعودية من جراء الإغراق من قبل منتجات أجنبية بنحو 20 مليار ريال سنويا، أي أنه في 2011م مرشح أن تزداد هذه القيمة بأكثر من ضعف. وقد اعتمدت المملكة أولا على جهود الشركات البتروكيماوية نفسها في حل هذه المشاكل الناجمة عن دعاوي الإغراق ومجابهتها، بل إن الجهود سارت في طرق عديدة ومتنوعة بعضها رسمي وبعضها غير رسمي .. إلا أن هذه الجهود جميعها لم تفضِ إلى حلول عملية أو مرضية للصادرات السعودية، بل إن أبوابًا جديدة فتحت بدعاوي من أطراف جديدة حتى مارس الماضي.. مما زاد الأمر تفاقمًا، وهدد بمزيد من الخسائر للصادرات السعودية من البتروكيماويات.. ولا توجد أرقام دقيقة حول حجم الخسائر السعودية التي تلحق بالصادرات جراء هذه الدعاوي أو فرض الرسوم للإغراق، ولكن بلاشك فإنها خسائر كبيرة، وتمثل وضعًا غير عادلا، لأن المنتج الأجنبي يخترق الحدود المحلية بكل أريحية، ويهدد المنتج الوطني.. وفي المقال، فإن المنتج السعودي يدخل إلى سوق ذات الدول ، ويواجه دعاوي وشكاوي ورسوما ضد إغراق مزعوم وغير حقيقي. جهة لرعاية مصالح الشركات وفي هذا السياق، واهتماما من الحكومة السعودية بهذا الأمر الهام، فقد صدر القرار الكريم من خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 9/5/1432ه بتشكيل فريق معني بقضايا الدعم والإغراق برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان مساعد وزير البترول.ورئاسة سمو الأمير للفريق وهو الخبير بأمور الصناعة والتجارة الدولية في البتروكيماويات كان له عظيم الأثر في دخول المفاوضات لمنعطفات هامة، وأعطى للفريق زخما استثنائيا، بشكل مكنه من إنهاء العديد من القضايا، وعلى رأسها القضايا المرفوعة من الاتحاد الأوربي .. والتي ستسهل إنهاء القضايا الأخرى، بل أن المفاوضات بدأت تسير في طريق تقليص أو إلغاء العديد من هذه الرسوم. وتؤكد نجاحات هذا الفريق بأن التفكير الاستراتيجي بتشكيل لجان خبيرة أو فرق قادرة على تولي زمام المسئولية لمثل هذه الأمور يعتبر الرافد الرئيسي لقدراتها ونجاحها في تحقيق المستهدف منها.. ولا نبالغ إن قلنا بأن مصير الصادرات البتروكيماوية ظل لفترة طويلة في أيدي أطراف لا تمتلك الخبرة الكافية بالقانون أوالتحكيم الدولي، بشكل تسبب في تشتت القضية، بل وتدويلها إلى مواقع ومنتجات ودول أخرى.. مما تسبب في خسائر كبيرة للصادرات السعودية ، بل لا نبالغ إن قلنا بأن حجم الخسائر السعودية من جراء هذه المسائل المرتبطة بالإغراق لا تزال محل جدل ونقاش لأنها خسائر تأتي من جانبين، ليس من قبل خسائر الصادرات السعودية في الأسواق الأجنبية، ولكن أيضا خسائر المنتجات الوطنية نتيجة المنافسة غير العادلة والإغراق الذي تتعمده المنتجات الأجنبية المستوردة أحيانا. إن الأمريحتاج لفرقا مثل فريق الأمير عبد العزيز بن سلمان تكون قادرة وحاضرة بدراسات ودفوعات قوية ومنطقية تحفظ حقوق التجارة السعودية سواء صادرات أم واردات .. وهذا الفريق بنجاحاته البارزة يمكن أن يكون نواة لجهة رسمية ترعى مصالح الشركات (وعلى رأسها البتروكيماوية) بمنهجية علمية ومقدرة حرفية على توفير الحماية ضد من يفكر في إغراق السوق المحلي (ويهدد المنتج السعودي في الداخل) أو من يفكر في زعم إغراق سوقه الأجنبي (ويهدد المنتج السعودي المصدر اليه) .. ولا سيما أن عنصر توفير المعلومة الصحيحة لا يزال يحتاج إلى مزيد من الجهد في تقدير حجم المكاسب أو الخسائر من جراء أي إجراء أو رسم مهما كان بسيطا.