ما أشد ساعة الفراق عندما تودِّع قريباً لك في هذه الدنيا، والأصعب عندما يكون الفراق لإنسان له محبة لدى الجميع، وهو من يتمنى لك الخير قبل أن يتمناه لنفسه، وديدنه وفي كل وقت يتمنى لقاءك، ويفرح بقدومك، لكنه الفراق الأخير، والخبر الذي أحزننا، وأحزن الكثير في هذا الرجل، الذي ودعنا بمشيئة الله إلى جنات الخلود، إنه أحد رجالات الرس المعروفين، إنه الشيخ سليمان بن عبد الله الغرير، الذي غادر الدنيا إلى جوار ربه بعد طول عمره المديد ومعاناة مع المرض في الفترة الأخيرة. لقد كان يوم الخميس، الموافق 25-1-1433ه، يوماً اغرورقت فيه عيون الكثير بالدموع، وتحول الفرح إلى حزن. كنت ممن يعرف الكثير عن هذا الرجل من خلال سيرة حياته التي بمراحلها تُعتبر مدرسة للأجيال. كنت أنعم بلقائه كل أسبوع، وألتقيه في زيارتي لعمتي زوجته - أمد الله في عمرها -، وكانت زيارة قصيرة كل أسبوع، ورغم قِصَر هذه المدة فإنك تخرج بالعديد من الفوائد بما وهب الله الفقيد من عِلْم ودراية وحكمة ومعرفة، فيها كثير من مناحي الحياة؛ فهو - بحق - ذا فكر واسع لما لديه من أخبار الماضي، وبالأخص عن تاريخ الرس ومواقفها البطولية، وهذا يدل على مدى ما يحمله من حب وإخلاص للرس وأهلها، إضافة إلى معرفته بعلم الفلك وأخبار الطقس ومراحل الفصول السنوية وتميزه في نظرته الثاقبة في رؤية الهلال مع حلول شهر رمضان المبارك ودخول شهر شوال وإعلان العيد نظراً لحدة نظره - يرحمه الله -، وكذلك حبه وعشقه للرحلات البرية ومعرفته بمختلف أسماء النباتات الربيعية في فصلَيْ الشتاء والصيف، وعلمه بالمواقع الأثرية القديمة حول الرس، التي لا يعرفها الكثير. ولقد كنت مرافقاً له في بعض الرحلات، ورأيت منه العجب، وحقيقة إن (أبا عبد الله) - يرحمه الله - يُعتبر نموذجاً ومرجعاً لما تحمله ذاكرته من معلومات نادرة، وكذلك خبرته التي تجمع بين العلم والمعرفة والحكمة والرواية ومعلوماته التاريخية عن هذا الوطن، كما لا ننسى تعلقه بكتاب الله وحفظه له منذ صغره، وحفظه وتلاوته كل وقت، حتى أنه في آخر حياته وفي مرضه الشديد وعند سكرات الموت كان يردد الكثير من آيات القرآن الكريم، كما لا بد من الإشارة إلى ما له من دور في أعمال الخير ومساعدة الضعفاء والصدقة التي يمدها للمحتاجين. والفقيد له تعامل خاص وطريقة فريدة مميزة في مجال التربية، خاصة مع أبنائه وأحفاده ومعارفه من حيث تعامله معهم وكأنك أمام رجل له معرفة بأصول التربية في أسلوبها الذي يجمع بين القديم والحديث، كما كان يتصف - رحمه الله - بالتسامح مع كل من يتعامل معه؛ فهو يتجاوز عن المعسر، ويوسع على المحتاج، وهذا من خلال عمله التجاري الذي مارسه طوال حياته وأسلوبه الفريد وسماحته في البيع واشراء، بل هو من أوائل رجال الأعمال في المحافظة الذي عمل في مجال التجارة، ويشهد بذلك محله المشهور الواقع في السوق القديم، ثم انتقاله للسوق الجديد، والكل يعرف (دكان أبو غرير)، الذي يضم العديد من البضائع المنزلية التي يجلبها بنفسه من المدن المشهورة في هذا الوطن، وكل من تعامل مع الفقيد يشعر بأريحيته وتعامله مع الكبير والصغير وحسن خلقه ولطفه وسماحته، ويشهد بذلك كل من التقى به حتى أمد الله في عمره، الذي استغله في أعمال البر والخير «وخيركم من طال عمره وحسن عمله»، كما أنه - يرحمه الله - كان يحرص كل الحرص على صلة الرحم وحبه الأقارب والجيران، وكذلك زيارته كبار السن في منازلهم حتى وهو يعاني المرض في آخر حياته؛ فكان يسأل عنهم، ويبادر بالسلام عليهم والاجتماع بهم. وهناك العديد من المزايا والصفات التي لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة. والعم أبو عبد الله من الذين يُرجى لهم كل خير عند ربهم بمشيئته تعالى، وهو من باب الثقة بموعود الله في ثناء الناس عليه بخير؛ فهو بخير وكل خير كما ورد في السنة النبوية المطهرة حين قال الرسول عليه الصلاة والسلام «أنتم شهداء الله في أرضه». في الختام، ندعو لفقيدنا بالمغفرة والرحمة، وأن يسكنه الله فسيح جناته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، ويحشره الله مع زمرة النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وجميع موتى المسلمين، وأسألك يا حي يا قيوم أن تجمعنا به وجميع موتى المسلمين في دار كرامتك. محافظة الرس