يا إلهي، ما هذا الجدب الشعري المخيف الذي يعم المخيّلة العربية، لقد مرت عليَّ سنوات عجاف لم أقرأ قصيدة مقنعة أو قصيدة تثير فيّ الحماس أو الغيرة؛ لأن أواصل إنشادي الأدبي في مسمع الكون، صراحة لقد أحسست في السنوات الأخيرة أن القصيدة الجديدة ماتت تماماً، وقامت الرواية رافعة رأسها فوق قبر القصيدة، وبشر النقاد السهلون جداً بأن هذا الوقت هو وقت الرواية، وبذلك فتحوا مجالاً شاسعاً لأي (سارد) أن يطبع أعماله (أو أعمالها) في دور النشر خارج المملكة التي تحتفي بأي مفردة (ناشزة) تخص السعودية بالذات، وكان ذلك وبالاً على الإبداع بشكل عام، وضحكاً صراحاً على حرمة الأدب النبيل واحترامه أيضاً، أقول: في هذا الوضع توارت القصيدة - مؤقتاً - عن هذا المشهد الذي يهين الإبداع أصلاً وبرمته على الإطلاق. ولكن الشعر مهما كانت المعوقات الزمانية والتعتيم على دوره الفذ والعراقيل التي توضع أمام مسيرته الجميلة الخالدة من قبل من يسوقون (الكلام الردي) أقول: إن الشعر يبقى (صهيل الزمان) وسيمفونيته الخالدة ونشيده الأزلي على مر الحقب طوال التاريخ، ولكن من يسيء للشعر الحقيقي هو من استسهلوا قصيدة النثر، بالرغم من صعوبتها الاكلينيكية وموسيقاها الساكنة الإيقاع، والتي لا يحس بها إلا من كان لديه (روح فنانة) هائلة أما القصائد (التقليدية) الفاخرة فهي تنهض بالذوق، ولكن القصائد (الفجّة) التي تتكئ على القافية فقط فهي ومتعددة التفعيلة الرديئة وقصيدة النثر أيضاً إساءة للشعر.