نيودلهي - لقد كانت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الأخيرة إلى ماينمار (بورما) والتي تخللتها صورة للذكرى مع اونج سان سو كي الشاحبة وان كانت مبتسمة بمثابة تغيير كبير في المشهد الجيوسياسي المحيط بأرض واجهت عقوداً من العزلة والعقوبات وإدانة واسعة النطاق لانتهاكات حقوق الإنسان فيها. قبل واحد وعشرين عاماً وبعد أن اكتسح حزب سان سو كي وهو الرابطة الوطنية للديمقراطية الانتخابات العامة، تم إلغاء النتائج وتم اعتقال أو نفي قادة وأعضاء الحزب وجاء في أعقاب تلك الفترة عقدين من الحكم العسكري القاسي والغامض. لقد شهد هذا العام انفتاحاً سياسياً والإفراج عن عدد من السجناء السياسيين البارزين ودلائل على تأكيد الذات والثقة بالنفس من قبل الحكومة المدنية اسمياً (التي يترأسها الجنرال السابق المتقاعد ثاين ساين). أن إعلان سو كي عن نيتها الترشح لانتخابات فرعية للبرلمان الجديد يوفر فسحة من الأمل بأن بإمكان الديمقراطيين استخدام المسيرة السياسية الناشئة من أجل خلق شيء يشبه حكومة تمثيلية حقيقية. أن من السخرية أن حكام بورما العسكريين يأملون أن يستخدموا مشاركة سو كي في العملية البرلمانية من أجل تدعيم وهم الحرية مع استمرارهم في ممارسة سلطة حقيقية لكن مثل هذه الممارسات في الديمقراطية التي تتم إدارتها والتحكم بها في أماكن مختلفة مثل إيران واندونيسيا والاتحاد السوفيتي عادة ما تفاجئ أولئك الذين يريدون التحكم بها. أن من الواضح أن من المصلحة اغتنام هذه الفرصة. بينما كانت الصين عادة مرتاحة أكثر للتعامل مع النظام العسكري فإن علاقة الهند مع الطغمة العسكرية الحاكمة كانت أكثر تردداً وذلك نظرا لأسباب تتعلق بالجغرافيا أكثر منها لأسباب تتعلق بالقيم المشتركة. عندما قام الجنرالات في رانجون (يانجون) بقمع الانتفاضة الشعبية سنة 1988 وإلغاء الانتصار الانتخابي الساحق لحزب الرابطة الوطنية الديمقراطية وأطلقوا النار على الطلاب واعتقلوا القادة المنتخبين ديمقراطيا كانت ردة فعل الحكومة الهندية في بادئ الأمر كما يريدها معظم الهنود فلسنوات عديدة وقفت الهند بشكل لا لبس فيه إلى جانب الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في بورما وليس فقط بالكلام كما فعل منتقدو النظام بالغرب ولكن أيضا بطرق ملموسة أكثر فلقد عرضت اللجوء السياسي للطلبة الهاربين وسمحت لحركة المقاومة العائدة لهم بالعمل في الهند مع بعض المساعدة المالية ودعمت صحيفة ومحطة إذاعة مؤيدة للديمقراطية. أن الحقيقة التي واجهتها الهند أن خصوم الهند الاستراتيجيين وهما الصين والباكستان بدأتا بتحسين علاقاتهما مع الجنرالات البورميين. لقد تم تقديم تنازلات اقتصادية وجيوسياسية مهمة لكلا البلدين وحتى أن الصينيين بدأوا بتطوير ميناء على الساحل البورمي أقرب كثيرًا لكالكتا من كانتون وبدأت الطغمة العسكرية الحاكمة بتوفير ملاذات آمنة وأسلحة إلى مجموعات متعددة الأطياف من الثوار المعادين للهند والذين أصبحوا يعيثون فسادا في الولايات الواقعة شمال شرق الهند والانسحاب إلى محميات داخل البلد الذي تم تسميته حديثا بماينمار. أن أربعة من الولايات الهندية الحساسة سياسيا في شمال شرق البلاد تشترك بحدود دولية مع ماينمار ولكن التطور الرئيسي كان اكتشاف مخزونات كبيرة من الغاز الطبيعي في بورما والذي لم يتم توفيره للهند بسبب عدائها للنظام وعندئذ أدركت الهند أن خصومها بدأوا بتحقيق مكاسب على الأرض في حديقتها الخلفية بينما كانت الهند تخسر فرص اقتصادية جديدة مما يعني أن ثمن تطبيق سياسة خارجية أخلاقية كان باهظا للغاية. لذا قامت الهند بتغيير سياستها بمقدار 180 درجة فقامت بمنع عمليات المقاومة التي كانت تزداد يأسا عبر الحدود انطلاقا من الأراضي الهندية كما قامت الهند بإرضاء الجنرالات عن طريق توفير مساعدة عسكرية ودعم استخباراتي في معاركهم التي لا تنتهي ضد الثوار داخل بورما وانتقلت الهند من دعم الديمقراطية إلى مساعدة وتمكين النظام العسكري وكما كتبت في ذلك الوقت « أن من الممكن أن سياسة الهند يحكمها العقل وليس العواطف ولكننا نخسر بسبب ذلك جزءا يسيرا من روحنا «. أن انفتاح ماينمار التدريجي بعد انتخابات سنة 2011 وتنصيب ثاين سين كرئيس يمكن أن ينطوي على بعض الدفاع عن سياسة الهند تلك وبينما بدأ النظام بإطلاق سراح السجناء السياسيين والسماح بحرية الحركة لسو كي المحتجزة وحتى انه بدأ بالتشكيك بالتأثير البيئي والاقتصادي لمشروع السد الكبير الصيني في شمال البلاد، بدأ النقاد الغربيون بالإقرار أن التغيير الحقيقي يمكن أن يكون على الطريق. أن بلدان مثل الهند والتي حافظت على روابط مع الطغمة العسكرية وقامت بالانفتاح بشكل تدريجي يمكن أن تكون قد حققت نجاحات اكبر من تلك البلدان التي لم تفعل تهديداتها وعقوباتها شيئا سوى تقوية موقف الجنرالات. لقد فاجأت الحكومة البورمية معظم النقاد بإلغاء مشروع مايستون الهيدروكهربائي والذي تبلغ قيمته 3،6 بليون دولار أمريكي (كان سوف يتم تصدير 90% من طاقته الكهربائية للصين ) بالرغم من أن المحللين الصينيين سارعوا إلى التعبير عن تفهمهم لرغبة الحكومة أن لا تبدو تابعة بشكل كامل لجار أقوى منها بكثير ولكن الإشارة واضحة فميانمار ليست دولة تابعة للصين وهي راغبة بتنويع علاقاتها الخارجية. أن من مصلحة بورما أن تكون هناك أكثر من دولة تخطب ودها علما أن عمل موازنة بين الجيران هو تقليد دبلوماسي عريق. بالرغم من أن انخراط الصين في بورما هو أكثر بكثير من التجارة البينية بين ماينمار والهند فإن العلاقات التجارية بين ماينمار والهند وصلت إلى 1،1 بليون دولار أمريكي في سنة 2010-2011 والهند اليوم هي الشريك التجاري الرابع لماينمار بعد تايلند وسنغافورة والصين حيث تذهب ما نسبته 70% من الصادرات الزراعية للبلاد للهند. أن الاقتصاد عادة ما يفتح الأبواب السياسية. لقد كتب الباحث الهندي سريام تشاليا «أن قيام ماينمار بتحدي الصينيين ينظر إليه كإشارة على أن هناك مساحة سياسية للولايات المتحدةالأمريكية للعب دور في المسيرة الديمقراطية في ميانمار.» أن زيارة كلينتون أكدت أن الهند كانت تلعب دورا هادئا ولكن فاعلا في الترويج للمزيد من الانخراط مع البورميين. يجب على الهند أن لا تحاول أن تتفوق على الصين في استرضاء الطغمة العسكرية فغريزتها الطبيعية هي مع الديمقراطيين البورميين مثل سو كي والطلبة السابقين والذين دعمتهم الهند على مر السنين. أن قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بالتعبير عن رغبتها بتصديق انفتاح ثاين ساين يعني أن الباب سيصبح مفتوحا للدول الديمقراطية في المنطقة وخاصة الهند لان تفتح أبواب بورما للعالم. أن الصين سوف تراقب ذلك عن كثب. خاص ب(الجزيرة)